الجمعة، 30 يناير 2009


القوميون العرب: تاريخ أسود وفكر خبيث
GMT 12:00:00 2009 الجمعة 30 يناير
نضال نعيسة
-->نضال نعيسة
من المعلوم تماماً أن الفكر القومي هو النسخة المنمقة، والطبعة المعصرنة و"المشلبنة" للفكر السلفي البدوي الأصولي الذي هبّت رياحه العاتية من الفيافي والصحاري البدوية في القرن السابع الميلادي، وأحال معها كال تلك الحضارات والأمم المتاخمة التي دخلها إلى خرائب وأنقاض متهالكة تلوك أساطيراً مبهمة، وتجتر خطابات آفلة ممجوجة، لم يعد لها أية فاعلية تذكر سوى بعدها التاريخي الرمزي الأسطوري الخاوي القديم. وحين انزوى الفكر الديني خجلاً بعد سلسلة من التجارب الدموية الصدامية الفاشلة برز الفكر القومي ليحل محله، ولكن بحلة ورداء، وخطاب ملتو جديد. وتكاد دعوات الأحزاب القومية وهيئاتها وشخصياتها المختلفة وتنويعاتها المتعددة، لإحياء أمجاد العرب والحديث المسترسل المبهم الفياض عن الرسالة الخالدة، يتطابق تماماً مع فكر الجماعات الإخوانية والسلفيات الجهادية ورؤى ابن لادن والإمام البنا وسيد قطب تلكم الترجمات العربية للشيخ السلفي الهندي أبي الأعلى المودودي 1903-1979. ( لا ندري عن أية أمجاد يتحدث القوميون، ومتى كانت هذه الأمجاد بالضبط؟ اللهم إلا إذا كان إخضاع الناس بالسيف، واحتلال أراضيهم وتدمير الحضارات الأخرى، وتخريب النفوس والعقول، وإحياء العصبيات القبلية والعشائرية والعنصرية والطائفية والفئوية، وفرض لغة وثقافة ودين بالسيف على بشر آخرين وسبي نسائهم ونزع ممتلكاتهم وتغريمهم بالخوات والجزية وإعمال الحسام المهند في أعناقهم وتفجير شلالات الدماء، ومراكمة جبال الجماجم، وترويج ثقافة الموت والنحر والتكفير، والإشكاليات والانقسامات الأبدية والانهيارات القيمية والمعرفية التي خلفوها أمجاداً.
غير أنه، من الصحيح والمثبت تاريخياً، بأن هذا الفكر كان وراء إجهاض المشروع التنويري الحداثوي النهضوي في المنطقة الذي انطلق عقب انهيار امبراطورية الرجل المريض العثمانية الفاسدة التي استعمرت المنطقة أربعمائة عام تحت راية الفكر الغيبي الماورائي. وذلك حين انقضـّت مجموعة الضباط الأحرار المصرية الأخوانية على مقاليد الحكم في مصر التي كانت قد قطعت شوطاً طيباً في مسيرة الحداثة واللبرلة والتنوير وأعادتها- المجموعة- إلى سيرتها السلفية الأولى. وسرت تلك العدوى الفيروسية القومية العسكريتارية القاتلة، وانتقلت إلى معظم الكيانات السياسية الناطقة بالعربية، وبدأ الفكر التضليلي المسموم وسردياته المخدِّرة تفتك بالأبدان، كما بالعقول العربية، حتى وجد الشارع الناطق بالعربية نفسه، مرة واحدة، يواجه نكبة وراء نكبة، وكارثة تجرها كارثة، ومأساة تولد مأساة. استيلاء القوميين العرب بالقوة المسلحة على مقاليد الحكم في مصر، (كما فعل أسلافهم البدو الأعراب ذات يوم حين عولموا ثقافة الغزو تحت الرايات الإلهية)، وإنهاء الحياة البرلمانية، وتعطيل الدساتير وحكم البلاد بالحديد والنار والبساطير، كان في الحقيقة بداية الانهيار، والهجوم المعاكس، التي أعادت شنه القوى السلفية عبر التجرؤ، مرة أخرى، على خصوصيات وحريات الإنسان في العصر الليبرالي المحدث، وقتذاك، أي ما بعد رحيل المستعمر العثماني، ومن هناك عمـّموا هذا الأنموذج الرث، وانتشر السرطان القومي المستفحل في مختلف أمصار الأعاريب.
عجز الفكر القومي في توحيد العرب، برغم زعمه وجود عوامل جاهزة ومفترضة لقيام تلك الوحدة أثبتت الأيام قصورها وخواءها وعدم مواءمتها لمتطلبات الواقع وسيروراته الديناميكية المتحولة، أبداً، والتي تتطلب بالقطع أكثر من هذه الفكرة الرومانسية الوهمية الطوباوية الصماء. وفي الحقيقة، ما عجزت القاعدة، والجماعات السلفية والإخوانية عن تحقيقه، حتى الآن، في ترثيث وتحطيط وتمسيخ وتقزيم وتقبيح وترييف وتشحيح وتضحيل وصحرنة هذه المجتمعات، وإعادتها إلى أروقة ومناخات القرن السابع الميلادي، قد أفلح في فعله القوميون العرب. وها هي كيانات الأعاريب من المحيط إلى الخليج، تتجلى بأبهى حللها، وبمحاكاة مدهشة لما كانت عليه عبر التاريخ المجيد "ما غيره"، من فقر وفساد وجهل ولصوص وشيوخ ووعاظ مأجورين واستبداد وديكتاتوريات وانحطاط مرعب رهيب. فإذا لم تكن دولة العرب الأنموذجية على هذا المنوال الفظيع، فماذا عساها أن تكون؟ وأية دولة قومية عربية ستنتهي، حتما اليوم ولاحقاً، إلى دولة دينية فاشية كما هو الحال في العراق ومصر والجزائر والسودان وموريتانيا واليمن السعيد...إلخ.
هل لأحد أن يطلق العنان لخياله ويتصور ما كان قد آل إليه حال ما يسمى زوراً وبهتاناً بالمغرب "العربي" لولا فيروسات التعريب ووسواساتها الخناسة التي اجتاحته في النصف الثاني من القرن العشرين؟ وأين كان استقر اليوم لو تابع عملية "الفرنسة" و"الأوربة" والتغريب الحداثي، التي كانت جارية، يوماً ما، بدل البدونة والعربنة والتوهيب التي تسرح وتمرح، وتعصف اليوم فيه؟ هل ثمة أية مشروعية، وحق، للتساؤل هنا؟ ألا تقف طوابير طويلة من المهاجرين " المستعرَبة بفعل المد العربي" أمام سفارات الكفار واليهود والصليبيين للفرار من هذا الجحيم القومي المؤرق الرهيب؟ وما كان لها أن تفعل ذلك لو كانت هذه الأوطان نسخاً وفراديساً وجنات عدن كدول الغرب، تجري من تحتها ومن فوقها، وعلى جنباتها الرفاهية والبحبوحة والفرفشة وحقوق الإنسان وتنتشر في أرجائها الحريات العامة.
ليس من مصلحتنا، ولا من مهمتنا، البتة، ككتاب ونشطاء رأي، تجميل هذا النظام الرسمي البائس الفاسد البائد القبيح. وإن نقدنا وتشريحنا لمختلف الظواهر السوسيولوجية والأنثروبولوجية والتراكمات الفكرية المترسبة في جذور هذا المجتمع العربي العليل، يأتي في إطار المحاولات المستمرة لضرورة إعادة هيكلة كل تلك البنى التي تآكلت بفعل الزمن والتقادم الطبيعي والشيخوخة التي ستصيب كل شيء، والاجترار التاريخي لمقولات وتجارب سلطوية وفكرية فاشلة. لإن هذا النظام الرسمي العربي، صنيعة القوميين العرب ومأثرتهم المفتخرة، هو الذي أورثنا كل هذه المهانة والذل والخذلان التاريخي وجعلنا أحط شعوب الأرض وفي ذيل أمم الأرض قاطبة في جميع الميادين الحياتية، لا يستأهل أي نوع من الشكر والمجاملة والتجميل والمحاباة بل النتف والضرب على قفاه على الطالعة والنازلة. ولن يلقى منا، بالطبع، أي امتداح أو ستر لعوراته، أو مداراة لعيوبه على الإطلاق. وإذا كان هذا يصب في مصلحة إسرائيل، أو غيرها، فهذه ليست مسؤوليتنا وليس مطلوب منا السكوت والتستر على ويلاته وموبقاته، ولا ذنب هذه النخب التي تقرع أجراس الخطر والإنذار، وترفع الصوت عالياً لدرء الفواجع القادمة والانهيارات الشاملة، وإنما مسؤولية نفس هذا النظام الرسمي العربي العاجز المريض الذي وضع نفسه في موضع الاتهام، ولم يعد يستطيع النهوض من كبوته التاريخية أو التقدم قيد أنملة والسير على الطريق الصحيح لإنقاذ هذه الشعوب المحبطة المسكينة التي تعاني الفقر والفاقة والتغريب الحضاري والفكري والريادي.
ومن خبائث الأحابيل القومية المعروفة، مثلاً، وكما يمارسها، تماماً، صنوها السلفي، هو تغذية العصبويات والوجدانيات الشعبوية الغوغائية الغرائزية الكامنة في الشيفرة الجينية للا وعي الباطني الجمعي العام للدهماء والرعاع والبسطاء والمتاجرة بها، باعتبارها بضاعة فكرية مؤدلجة وجاهزة، وطرحها للارتزاق والتكسب منها في السوق السياسي.
وما انطلاق تلك الفبركات المسمومة، التي طالت فيما طالت، بعضاً، ويالغرائب ومحاسن الصدف من مكون سوري بعينه، ومن حملة مشاعل التنوير المناهضة للمشروع السلفي، إلا من أوكار القوميين العرب، بالذات، بأمر غريب وجديد، وما هي إلا تعبير عن التصاقهم الفطري اللا إرداوي والغريزي الفطري بالفكر الأصولي، وجلاء لمكنوناتهم العدوانية المتأصلة لكل ما هو مبدع وخلاق وجميل ومتجدد وسام ونبيل. وهي انعكاس لطبيعة وماهية العقل القومي الحامل لعقدة التفوق العرقي المريضة، وثقافة الازدراء والتخوين، وتجسيد ملموس لانكشاف جوهر تكويناتهم العضوية ولانحباس وجفاف منسوبهم واحتياطهم الثقافوي، ونفاذ لمخزونهم الفكري ووقودهم الروحي الذي اعتاد لـَوْك تلك الكليشيهات التاريخية عن مجد العرب وحضارتهم الزائفة ورسالتهم الخالدة، والتي لم تكن في حقيقة الأمر سوى تدمير للحياة وللحضارة وللقيم الإنسانية النبيلة والجمالية في كل مكان وصلتها "آثار القدم الهمجية"، وبالإذنً من فيروز، ذاك الملاك الطاهر الرائع الجميل.
sami3x2000@yahoo.com

الثلاثاء، 13 يناير 2009


GMT 13:30:00 2009 الثلائاء 13 يناير
محمد الحمامصي
-->محمد الحمامصي
حوار شامل مع د. نصر حامد أبو زيد:

** المحصلة أن هذا الشباب الذي تقتله بشكل يومي ومنظم أين سيجد ملاذه؟ في الجماعات المتطرفة!!** أنت مجتمع "عمولي" يعتمد علي العمولات، أنت لا تؤسس بنية إنتاجية، وإنتاج الفكر لا يتم منفصلا عن الإنتاج في مجالات أخرى** ماذا يعني أن يوضع ملف المسيحيين أو المسيحية في يد الشرطة؟! ما معنى أن تسلم المواطن للكنيسة أو تسلمه للجامع، المواطن ينتسب لوطن؟!** الصراع الذي يرسم في العالم العربي بين الشيعة والسنة ليس صراعا فكريا وإنما احتقان اجتماعي** لدينا دعاة تنوير وليس صناع تنوير، وهناك فرق بين أن تدعو للتنوير وتهلل للتنوير وتقول يحيي التنوير وبين أن تصنعه ** أحد أساتذة الفلسفة سألني: كيف نطبق علي القرآن وهو كلام الله مناهج البشر؟ فرددت بتلقائية شديدة: هل تفترض أنني لابد أن أصبح إلها لكي أفهم كلام الله؟
محمد الحمامصي من الاسكندرية: المرة الأولي التي حاورت فيه المفكر الإسلامي د.نصر حامد أبو زيد كانت عام 1993 بمكتبه بكلية الآداب جامعة القاهرة، وكان يومئذ يتمتع بحضور قوي من خلال رؤاه وكتاباته المثيرة للجدل والنقاش سواء داخل أروقة الجامعة أو بين أوساط المثقفين والكتاب، ولم يكن قد دخل بعد معركته الشهيرة التي تحولت إلي معارك بين أكثر من تيار في المجتمع المصري، للأسف انتصر فيها التيار السلفي، لينتهي الأمر بخروجه من مصر ورفع كتبه من المكتبات العامة وحتى مكتبة الجامعة، لكنه بدءا من عام 2003 وبعد ثماني سنوات يبدأ في زيارة مصر مرة لزيارة أهله ومرة بدعوة من الجامعة الأمريكية، وها هي مكتبة الاسكندرية ممثلة في مركز المخطوطات برئاسة د.يوسف زيدان تستضيفه باحثا مقيما علي مدار خمسة عشر يوما، ألقي خلالها خمس محاضرات تناولت العديد من القضايا القرآنية والفلسفية الإسلامية الإشكالية منها القرآن في تأويله اللاهوتي: المعتزلة وحل إشكالية العقل والنقل، و القرآن في التأويل الصوفي، انفتاح المعنى من خلال التجربة.ود.نصر حامد أبو زيد له ما يزيد عن عشرين كتابا جلها يناقش قضايا إشكالية مهمة، من هذه الكتب: الاتجاه العقلي في التفسير، دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة ـ فلسفة التأويل، دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي ـ أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة؛ مدخل إلى السميوطيقا ـ مفهوم النص؛ دراسة في علوم القرآن ـ إشكاليات القراءة وآليات التأويل ـ الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية ـ نقد الخطاب الديني ـ المرأة في خطاب الأزمة ـ التفكير في زمن التكفيرـ الخلافة وسلطة الأمة ـ النص، السلطة، الحقيقة ـ دوائر الخوف: دراسة في خطاب المرأة ـ الخطاب والتأويل ـ هكذا تكلم ابن عربي ـ اليسار الإسلامي: إطلالة عامة، وغيرها، فضلا عن المقالات باللغتين العربية والإنجليزية والمراجعات والترجمات.

** بعد ما يقرب من 14 سنة مما حدث لك في مصر سواء في الجامعة أو دعوى التفريق بينك وبين زوجتك أو والارتداد ومعارك فكرية تشابكت فيه الآراء والأفكار.. كيف تنظر إلي تلك الفترة وما عانيت خلالها؟ وبماذا تفسر هذا الذي حدث؟ ** المجتمع المصري كان في حالة احتقان وفي حالة غليان ومنقسم إلي معسكرات، وكان بحاجة إلي معركة، في هذا الوقت كان الإرهاب أو ما يسمي بالإرهاب تخطى حدود الصعيد التي لم تهتم بها الحكومة كثيرا ووصل إلي العاصمة، وتمثل ذلك في اغتيال رئيس مجلس الشعب وقتئذ في عز النهار أمام فندق، ثم اغتيال فرج فودة، ثم الاعتداء علي نجيب محفوظ، كل ذلك كان ممتدا إلي الجامعة، فالمجتمع وقتئذ كان يريد دخول معركة، معركة بين تيارين في المجتمع، وقد جاءت مساءلة الترقية إلي أستاذ في هذا السياق، وكانت كما يبدو الفرصة التي أراد المجتمع كله تصفية حساباته فيها، وتصادف أن الترقية كانت خاصة بشخص هو نصر حامد أبو زيد، وهو شخص لم يكن مشغولا أن يصبح بطلا، ولا أن يستفز أحدا، ولا عنده أوهام أنه المجدد والمستنير، كان راضيا بمساءلة كونه باحثا ومعلما، ومازلت حريصا علي هذه الصفة، صفة الباحث والمعلم، كان جزءا من المعركة حقيقيا، وهذا هو الجانب الذي كنت أخوضه، معركة ضد مصادرة الحريات في الجامعة، هذا أمر كان بالنسبة لي الأمر الكثير، يعني كنت مستعدا من أجله أن أخوض معركة واثنتين وثلاثة وعشرة مع داخل الجامعة، ومستعد الآن لخوض هذه المعركة لعشرين مرة، لأن الجامعة بالنسبة لي ليست مجرد اختيار الأسرة، لا، كان دخولها حلمي، تخرجت كما تعلم بدبلوم صنايع نتيجة ظروف عائلية، حلمي كان أن ألتحق بالجامعة، كان حلما مبكرا، كنت أريد دخول الجامعة و لم أكن أعرف الفرق بين محمد عبده وطه حسين، أبي رحمه الله أدخلني الكتاب لحفظ القرآن لكي أكون مثل محمد عبده، حفظت القرآن، وأدرك أبي أنه علي وشك الموت وأن "سكة" الأزهر طويلة قياسا للتعليم العام، فكان أن قرر تحويلني من التعليم الديني إلي التعليم المدني، وأذكر الحوار الذي دار بين والدي وأصدقائه:" يا شيخ حامد التعليم الديني سكته طويلة، علي ما يتخرج ويبقي شيخ، ثلاثين سنة "، في هذا الوقت كانوا يتخرجون متزوجين، التعليم المدني كانت سكته قصيرة، حولت للتعليم المدني والتحقت بمدرسة خاصة، لأن سني كان أكبر من أن تقبلني المدرسة الحكومية، وقبيل حصلي علي الإعدادية كانت المرض اشتد علي أبي، فقرر أن يلحقني بالثانوية الصناعية لأسباب عملية، لكن الحلم الطفولي بالالتحاق بالجامعة لم يغادرني، فبعد حصولي علي دبلوم الصنايع ثم عملي، ذاكرت وحصلت علي الثانوية العامة ودخلت الجامعة التي طالما حلمت بها، ومن ثم لن أسمح لأحد علي وجه الأرض أن يأخذ منى حلم جامعة حرة، أنا رجل ضعيف لا أملك غير كلمتى، وإذا تتبعت كتابتي سوف تجد ذلك، لكن المجتمع المصري كله كان يريد معركة والمجتمع كله دخل المعركة، أنا دخلت المعركة من أجل الحرية الأكاديمية وحرية البحث العلمي في الجامعة، لكن المعركة خرجت عن حدود الجامعة، وهذا أمر لا أدينه، لأن الجامعة في النهاية جزء من المجتمع، الجامعة ليست أسوارا مغلقة يجب أن يتم فيها كل شيء بعيدا عن المجتمع، الجامعة عقل المجتمع، وإذا أصيب عقل المجتمع بالخراب فحدث ولا حرج، وهذا ما هو حادث الآن، ما يحدث الآن أن الجامعة حلم المجتمع المصري انطفأ، المجتمع المصري الناهض أنشأ الجامعة، محمد عبده وقاسم أمين أنشأوا الجامعة الأهلية، الآن الحلم انطفأ، لكني جزء من هذا الحلم الذي لا أريده أن ينطفئ.المصادفة التاريخية أنني عانيت، من أجل ذلك عندما أنظر لهذه الأيام أتألم، لا أستطيع إنكار أنني تألمت في تلك الفترة، وهذا الألم منعني من أن أزور مصر لمدة ثماني سنوات، ألم وزعل وغضب، استغرق منى ثماني سنوات، خرجت عام 1995 وأول زيارة لي كانت عام 2003، أول زيارة كانت بداية أن أقول إن الألم والزعل لا ينبغي أن يكون من الوطن، وإلا فأنت توحد الوطن بالذين تسببوا في الألم والزعل، لذا قدمت أول زيارة لأهلي، ذهبت إلي الجامعة من باب أنني كنت قد بلغت الستين وبنصيحة د.حسن حنفي ينبغي أن أذهب لتسوية معاشي رسميا حتى يمكنني أن أعين أستاذا متفرغا، قال حنفي"لأنه لو سويت معاشك وأنت خارج البلاد ستفقد هذا الحق "، ومنذ هذه الزيارة عام 2003 وحتى الآن حصلت مصالحة من جانبي.

** خلال الثماني سنوات التي لم تزر فيها مصر وحتى أول زيارة، حتما كنت تراقب ما يحدث في مصر وتتابع، كيف ترى المشهد الآن وأنت في مصر وبعد عدة زيارات قصيرة لكنها زيارات مكنتك من رؤية ما يحدث؟ ** في هذا العصر الحادي والعشرين ليس هناك أحد بعيد، فكرة المكان اختفت، أنت كل يوم تفتح الإنترنت وتقرأ كل الجرائد المصرية والعربية، وتتحاور عبر الإيميل والتليفون أيضا، والكثيرون يزورون أوروبا فتلتقي بهم، فلست بعيدا عما يحدث في مصر، ما يحدث في مصر يحدث في العالم العربي بشكل عام فيما يرتبط بقضية الدين والمعنى الديني، هناك فساد، والفساد يطال كل جوانب المجتمع، لم تعد المشكلة تتفق مع من وتختلف مع من؟ أصبحت المشكلة من الفاسد ومن غير الفاسد؟ أصبحت المسألة أن تقف ضد الفساد مع كل من يقف ضده، وأصبح تقييمي للأشخاص ليس تقييما بما يكتبون، أصبح تقييمي بسلوكهم، أنت جزء من نظام الفساد أم تقف ضده؟ يمكن أن تكون جزءا من نظام الفساد ولا تعي ذلك؟ يعني عندما يطرد أستاذ طالبا من مكتبه، لأن هذا الطالب لا يقدم له فروض الولاء والطاعة، هذا الأستاذ مع الفساد، حتى وإن كان هو نفسه أخلاقيا غير فاسد، وقصص كثيرة، عندما آتي ألتقي بالشباب داخل الجامعة وخارجها، عرفت ما الخراب الذي أصاب الجامعة وأصاب المجتمع، آخر ندوة حضرتها في الجمعية الفلسفية داخل جامعة القاهرة لم أقل بحثا ولكن قلت صرخة ضد الفساد والاستبداد، صرخة لإنقاذ المجتمع، لا تستطيع إنقاذ الجامعة والمجتمع غارق في الفساد، أنا يؤلمنى أشياء كثيرة جدا، ربما لأنك تعيش داخل المجتمع لا تراها، ولأنني لا أعيش فيه أراها، من يعيش في المجتمع يري للفساد الذي ينشر عنه في الصحف، غرق العبارة والدم الفاسد والقطارات التي تحترق، والمسرح ,غيرها، لكن إلي جانب هذا الفساد الذي يؤذيني، يؤذيني أكثر أن البرلمان المصري ينشغل لشهريين بقضية الحجاب، كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الموجودة في المجتمع المصري، برلمان وطن كامل مشغول عنها بعبارة قالها وزير عن حق أو عن باطل، وتصبح قضية مجلس الشعب والنظام السياسي أن يتوب الوزير، أنا طبعا من بعيد أكاد أصاب بالجنون، معرفتك بمشاكل مصر ومشاكل المواطن والقتل اليومي، القتل القتل بالمعنى المادي، كم من الشباب والشابات في المجتمع المصري يحرمون من فرصهم وكفاءتهم لأسباب: أنه من يعين معيدا لابد أن يكون ابن أستاذا، ومن يعين كذا ابن طبيب، فساد الواسطة، أن البنت لا تعين في وظائف معينة لأنها محجبة، بينما خطابك السياسي يقول إن الحجاب فريضة، هذا يصيبني بالجنون أن أري هذا القتل اليومي " بيتم يوميا ـ اللي عايش هنا ما يخدش لباله منه ـ يتم بشكل يومي" ويكاد يكون قتلا منظما.المحصلة أن هذا الشباب الذي تقتله بشكل يومي ومنظم أين سيجد ملاذه؟ في الجماعات المتطرفة، المجتمع يحرمه لأنه مثلا متدين، المجتمع يحرمها لأنها تلبس الحجاب، في حين قد يكون هذا الشاب أو هذه الفتاة تملك من المؤهلات ما يجعلها جديرة بالحصول علي فرصة متميزة.أنا رجل الناس كلها تعرفني أنني ناقد للفكر الديني، ولكنى لست ضد التدين، وأتمني ألا أرى مفكرا ضد التدين، أنت ضد استخدام الدين وتوظيف الدين.. إلخ، كل هذا يصيبني ـ علي رأي أمل دنقل ـ بالعطب.

** هناك قضية لم تتطرق إليها ألا وهي قضية الطائفية، هل تعتقد أن مصر دخلت صراعا طائفيا فكريا إذا جاز التعبير بين شقيها الإسلامي والمسيحي؟** ليته فكريا، كنت أتمني أن يكون فكريا، أتمنى أن ندخل في أي قضية فكرية، لا، ليس صراعا فكريا، ولا الصراع الذي يرسم في العالم العربي بين الشيعة والسنة صراعا فكريا، هو احتقان اجتماعي، تهميش لفكرة المواطن، لأنها فكرة تتناقض مع نصوص كثيرة في الدستور، وسياسات متراكمة، إنني أعيش في هولندا في بلد تضم أربعة كنائس قبطية، وما يحدث في أي قرية مصرية يجرح الناس في هذا البلد، ردود أفعالهم لا أستطيع أن أصفها بالعقلانية، يعني ما حدث في الإسكندرية منذ عامين، وأنا أدعى في الأنشطة الثقافية للكنيسة وانتقد الأقباط، عندما أذهب في ندوة دعي إليها الأقباط ولا أجد أي امرأة، أقول لهم: لا، الموقف من المرأة ليس له علاقة بالإسلام ولكن له علاقة بالعقل المصري، أين نساؤكم؟، ندوة لا توجد بها امرأة واحدة، في حين أنني عندما ذهبت لهولندا وذهبت إلي ندوة حضرتها سيدات وفتيات وشباب صغار، فهذا التحول الذي يحدث يحدث في المجتمع كله ومن ينتمون إليه في الخارج، المجتمع ضد المرأة، لكن أقباط هولندا يتقبلون هذا الانتقاد، لأنهم يعرفون أنني لست متعصبا، وموقفي النقدي ليس موقفا متعصبا "بيطبطب علي المسلمين وينتقد الأقباط"، هنا في مصر يوجد نوع من الطبطبة، وهناك نوع من الشماتة بين بعض المفكرين، يعني إن قام الأقباط بالهجوم علي أحد ينبسط الإسلاميون، وهذا يوجد حتى في هولندا، وواحد زميل في هولندا من العلمانيين التنويريين المتطرفين الذين يكرهون الأديان كتب مقالا قال فيها كلاما فارغا عني، المسلمون بسببها بدأوا يحبونني، لأن فلان يهاجمني، يبقي أنا لازم أكون كويس، لا ليس ذلك ضروريا، ليس هناك منطق، ما يحدث في مصر مخيف، مخيف، مخيف، أن المواطن المسيحي أصبح يحتمي بالكنيسة ولا يحتمي بالقانون ولا يحتمي بالوطن، فكرة الوطن غائبة عنه، فكرة الوطن غائبة عن الشباب، هناك تهميش واسع بسبب الفساد، هناك تهميش علي مستويات واسعة داخل كل مؤسسة، هذا مخيف، ومخيف لأنه إذا تم تفكيك النسيج فأنت مهدد بدويلات طائفية، يعني لا تستغرب إذا قال لك أحدهم عاوزين دولة للأقباط وتبقي قضية في الأمم المتحدة، والنظام لا ينظر إلي هذه المشكلة بأي مستوى من مستويات الجدية، ماذا يعني أن يوضع ملف المسيحيين أو المسيحية في يد الشرطة؟! لقد تابعت قضية وفاء قسطنطين، ما بقتش فاهم، ما بقتش فاهم حقيقي، ما معنى أن تسلم المواطن للكنيسة أو تسلمه للجامع، المواطن ينتسب لوطن، كل هذا وجع أعيشه، أكتب أحيانا كثيرة فيه نتيجة تفاقم إحساسي بأوجاع الوطن.

**علي الرغم من الجهود الفكرية الكبيرة التي تبذل من قبل مفكرين مستنيرين بارزا منذ أوائل القرن العشرين وحتى الآن مطلع الألفية الثالثة لا زال العالم الإسلامي أسيراً في معظم سلوكه أسيراً للنص الديني والنص التراثي.. لماذا؟** لأنه لم يصنع التنوير، هناك دعاة تنوير وليس صناع تنوير، هناك فرق بين أن تدعو للتنوير وتهلل للتنوير وتقول يحيي التنوير، يحيي قاسم أمين، يحيي محمد عبده، يعيش نصر أبو زيد، فرق كبير جدا أن تفعل ذلك وتتحول إلي مردد هتافات وشعارات، مثل ما يفعله الإسلاميين حول ابن تيمية وسيد قطب، هتافات، وبين أن تصنع تنويرا يطال كل جوانب المجتمع، ليست هناك صناعة للتنوير بمعنى الانخراط في عمل ثقيل لتأسيس ما يسمى بالفكر التنويري، من أين يبدأ تأسيس الفكر التنويري؟ يبدأ من المفكرين ويدخل في التعليم و يقوم الإعلام بدوره، الذي صنع التنوير في أوروبا ليس الفلاسفة ولا العلماء، هؤلاء مشغولون بالكتابة والعلم، الذي صنع التنوير هم هؤلاء الذين قرأوا كلام الفلاسفة عبر الإعلام بمؤسساته الصحفية الناشئة، قرأوه عبر كتابات فهمت داروين مثلا، داروين لم يكن مشغولا لا بالكتاب المقدس ولا بالكنيسة، لم تكن تلك قضيته، كان مشغولا بتحليلاته الجيولوجية، أحدهم قرأ كتابه، وقال إن ذلك يعمل مشكلة مع ما تقوله الكنيسة، فكتب وقرأ الناس وحدث نقاش داخل المجتمع، والكنيسة عملت رد فعل، في مناخ يحمل إمكانية حدوث هذا النقاش، وهذا ما صنع التنوير.صناعة التنوير تبدأ من التوقف عن القتل المستمر للمواهب، هذا جزء من صناعة التنوير أن أدفع عن شاب أو فتاة تحرم من حقها في الاستمرار في تحقيق ذاتها، ودخول معارك ضد الفساد، دخول معارك من أجل ترسيخ الديمقراطية، معارك حقيقية، والانخراط في قضايا مجتمعية، طبعا هناك مؤسسات مجتمع مدني تعمل عملا ناجحا لكنه جزئي لأن عملها كله في العاصمة، حتى المؤسسات الثقافية التي يمكن أن تساهم في صناعة التنوير في تصب عملها بالقاهرة، وما يسمي بالوطن المصري في الوجه البحري والصعيد بعيد عن محاولة صناعة التنوير.لذا نعود إلي القضايا التي تصورنا أن الرواد قد طرحوا حلولا ناجزة لها سواء في النص الديني أو في الفقه أو في التراث، نعود لها مجددا، لو أنت عملت ملاحظة علي ما يدرس في الأزهر ستجد أن الطالب يتخرج في كلياته لا يعرف شيئا عن التراث، لأنه يدرس مذكرات الأساتذة، ولو دخلت جامعة القاهرة أو الإسكندرية أو.. إلي أي حد الطالب الذي يتخرج من قسم الفلسفة يعرف أبو العلا عفيفي، يعرف الأستاذ الذي درّس له فقط، إلي حد الطالب الذي تخرج في قسم اللغة العربية يعرف طه حسين أو أمين الخولي أو شكري عياد أو..، لا يعرفهم، يعرف فقط الأستاذ الذي درّس له، من يعرف نصر حامد أبو زيد يعرفه من الإعلام لا من خلال المؤسسة، المؤسسة رفعت كتبي من المكتبة، وأيامها قلت أن هذا هو السحل الحقيقي، أن ترفع كتبك من أرفف مكتبة جامعة القاهرة فهذا هو السحل الحقيقي، بعد ذلك كله قال من قال: مش أنا، رئيس الجامعة قال مش أنا، والعميد قال مش أنا وهكذا.التنوير صناعة ثقيلة لا تقل عن التصنيع في المجتمع،أنت ليس عندك تصنيع، ولا صناعة، عندك اقتصاد يعتمد علي الفهلوة، أنت ليس عندك بنية صناعية اقتصادية، ليس عندك مؤسسات تعمل صناعة إنتاجية في المجتمع، كلها صناعات شبيسي وكوكولا و..و.. و..، نشأ التنوير مع المجتمع التجاري الذي تحول إلي مجتمع صناعي، أنت مجتمع "عمولي" يعتمد علي العمولات، أنت لا تؤسس بنية إنتاجية، كلمة إنتاج هنا كلمة مهمة جدا، لأن إنتاج الفكر لا يتم منفصلا عن الإنتاج في مجالات أخرى، ومن هنا الكلمة الرائعة التي يرددها دعاة التنوير طوال الوقت من دون أن يحللونها: ليكن الوطن محلا للسعادة المشتركة بيننا، نبنيه بالحرية والفكر والمصنع، نحن نتحدث عن الحرية والفكر طوال الوقت ولا نتحدث عن المصنع، طبعا الحرية شرط الفكر ,الفكر شرط المصنع، وإلا يسقط المصنع.

** في ضوء هذه الرؤية يتضح اللافعل لا لمفكرين ولا لمثقفين ولا حتى لمعلمين داخل الجامعات والأكاديميات العربية؟** لا، المفكرون، والمثقفون بالمعنى النقدي أقلية في المجتمعات الحديثة كلها، أقلية يمكن أن يكون لها تأثير أو لا يكون لها تأثير، يمكن أن يكون لها تأثير لو أن المؤسسات الثقافية والتعليمية تأخذ الفكر مأخذ الجد، هنا الحلقة المفقودة، إذا هذه المؤسسات الوسيطة تأخذ الفكر مأخذ الجد، ينتشر هذا الفكر ببطء لكنه ينتشر ويخلق نوعا من الحوار في المجتمع، هذا ليس موجودا، فماذا سيفعل المفكر أو المثقف سيقدم كتابا أو يلقي محاضرة، يتوقع أن يناقش كتابه مناقشة حقيقية وليس نقاشا / مديحا مدفع الأجر، نحن نتكلم عن جهاز إعلامي أو تثقيفي يصنع ثقافة حقيقية عبر مناقشة هذا الكتاب أو ذاك، أنت لديك إعلام علاقته بالثقافة علاقة تجميلية، هناك بعض البرامج الجادة لا أنكر ذلك لكن العلاقة تجميلية، يعطي للتليفزيون صورة حلوة، لكنه ليس سياسة في استراتيجية الجهاز الإعلامي، الجهاز الإعلامي في العالم العربي كله هو ارضاء الجمهور، شهر رمضان ظاهرة لا تحتاج إلي تعليق منى.

** ولماذا انصب اهتمامك على النص القرآني تحديداً؟ ** لأن هذا هو النص المؤسس بامتياز لكل ما أتي بعد ذلك من نصوص، النص الذي لا نص قبله، كان قبله الشعر، لكن هذا هو النص الذي حل محل الشعر، وإن عدم الاقتراب من هذا النص واعتباره بمنأى عن الدراسة التحليلية التاريخية والفهم هو ما يمكن أن يفسر لنا ما يسمى التقهقر الدائمة في حركة الإصلاح الفكري، أنها لم تدخل في جذور الأمر، ظل المشروع يتناوبه التأويل والتأويل المضاد، ووعي بهذا أن التأويل والتأويل المضاد لابد أن يجعلنا نطرح سؤالا: عما نتكلم بالضبط؟ إذا كان هذا التأويل صحيح، وهذا التأويل صحيح فلابد أن هناك مشكلة في فهمنا لطبيعة هذا النص، إذا كان مرة اشتراكي ومرة قومي ومرة عروبي ومرة أممي و..، و.. إن عدم الدخول في هذه المنطقة التي اعتبرت منطقة غير قابلة للدخول فيها بمنهج التحليل التاريخي أو النقدي، يعنى أنه لن يحدث تطور حقيقي في الفكر، سيبقي التطور فيما يسمى النتائج وليس في التعامل مع الجذور، طبعا هنا ليس هناك أي نية لقطع الجذور وتدميرها، إنما المسلمون طوال تاريخهم منذ عصر الخلفاء الراشدين عندما تكون عندهم مشكلة يعودون للقرآن، لم يحدث في سقيفة بني ساعدة لكنه حصل في الحروب الأهلية، ونحن نواصل هذا التراث، كلما واجهتنا مشكلة نعود للقرآن، لكن لم نطور نظرتنا للقرآن بحيث نستطيع أن نجد الإجابات الملائمة لعصرنا، ونكتفي بالإجابات الذين سبقونا، الذين سبقونا كانوا أشجع منا طوروا نحن عاجزين عن تطويرها، وهذا ما كان يدور في فكري، الرجوع إلي القرآن يحتاج إلي تطوير الأدوات، لا نكتفي بالأدوات التي قدمها أسلافنا، وإنما نحتاج إلي تطوير أدوات، ولن يتحقق تطوير الأدوات من غير أن نعيش المعرفة المعاصرة، كما عاش أسلافنا الحياة المعاصرة في زمنهم، وهذا ليس أمرا إدا.في جامعة الإسكندرية عندما جئت أقاموا ندوة حول كتابي مفهوم النص، وأحد أساتذة الفلسفة سألني سؤالا: كيف نطبق علي القرآن وهو كلام الله مناهج البشر؟ فأنا بتلقائية شديدة قلت: هل تفترض أنني لابد أن أصبح إلها لكي أفهم كلام الله؟ قدري أنني إنسان وليس عندي غير مناهجي التي أبدعها وأطورها، وهذه المناهج تجعلني أفهم كلام الله، فصفق الطلاب الأمر الذي جعلني أشعر بالحرج، أنني أحرجت الأستاذ، لكن الأستاذ كان من سعة الصدر بحيث رد: لقد كنت أريد أن أسمع منك هذه الإجابة ولم أحرج بل صفقت لك كما صفق الطلاب.هذا كلام الله وكلنا يؤمن بذلك، لكن ليس أمامنا وسيلة لفهم كلام الله إلا بأدواتنا كبشر، وأدواتنا كبشر تتطور، وهذا يجعل هناك إمكانية أن يتطور المعنى الديني بتطور معرفتنا، ومن هنا لابد أن نضع في اعتبارنا دور البشر في إنتاج المعنى الديني، الفكر السائد اليوم أنه ليس هناك بشر ينتجون المعنى الديني، وأن المعنى الديني الذي أنتج في العصور السابقة أنتجه ملائكة، وهذا يفسر لك سر الهجمة الشرسة لأنني تكلمت علي الإمام الشافعي، كيف تتكلم عن الإمام الشافعي؟ الإمام الشافعي هنا أصبح مقدسا، هذه كلها مشاكل.أنا أعتقد أنه لم تحدث مقاربة وتطوير أدوات لفهم النص الديني تقوم علي معرفة تاريخه ومعرفة بنيته ومعرفة الفضاء اللغوي الخاص به، سنظل نأخذ رأيا من هنا ورأيا من هناك ونقول إن هذا تفسيرا جديدا، حسب مزاجنا، أنا رجل تنويري أخذ ابن رشد والمعتزلة و.. و..، أنا رجل لست تنويرا آخذ ابن تيمية، ابن تيمية والمعتزلة علي عيني وعلي رأسي، لكن أن أسجن عند أحدهم فهذا ضد تاريخ الفكر الإسلامي كله.

** (الفكر الإسلامي متجمد منذ عهد ابن رشد) مقولتك، أليس في ذلك ظلم بين لعلماء مفكرين أسهموا إسهامات جادة في الفكر الإسلامي خلال القرن العشرين من بينهم الشيخ محمد عبده؟** في الفكر الفلسفي، لا، الشيخ محمد عبده كتب رسالة التوحيد وهي محاولة لفتح إطار علم الكلام، وأنا لم أنكر دور محمد عبده ولا يمكن إنكار دوره، بالعكس أقول إن محمد عبده لم يقرأ ومازال بشكل جيد، إنما تجربة ابن رشد تمثل تصحيحا لمسار الفلسفة الإسلامية من وجهة نظره، باعتبارها خلطت بين أفلاطون وأرسطو والمشائية والغنوصية.. إلخ، هناك جانب معرفي عند ابن رشد قد تتفق معه أو قد تختلف معه، لكن هناك جانبا مهما أنه أضاف بعدا لتعامله مع النص الديني كونه فقيها وفيلسوفا وطبيبا وهذه ثلاث سمات لا يمكن فهم ابن رشد إلا إذا وضعناها مع بعضها.لقد قصدت الفكر المشتبك مع الماضي والذي يعيش العصر، وهذا لا يعني عدم وجود مفكرين، وكما قلت المفكرون أقلية وليس هناك أي محاولة لتحويل هذا الفكر إلي معرفة، هناك محمد عابد الجابري، الطيب دزيني، حسن حنفي، لكن معرفة ما يقدمونه لم تتحول إلي معرفة شائعة، التجمد هنا لا يعني عدم وجود بؤر حيوية هنا وهناك، التجمد هو الظاهرة المرئية في ظل الديكتاتوريات وغياب حريات.

** بماذا تفسر هذه العلاقة الوثيقة والراسخة بين السياسي والديني في عالمنا الإسلامي والتي ترتبت وتترتب عليها الكثير من إشكاليات هذا العالم؟** الحقيقة أن إشكالية العالم العربي لا تترتب علي ذلك، لأنه السياسي والديني مسألة معقدة جدا، المشكلة السلطة السياسية والسلطة الدينية، وليس السياسي والديني، لأن السياسي بالمعنى العام هو جزء من الحياة.

** معذرة كنت أقصد السلطة السياسية والسلطة الدينية؟** السلطتان السياسية والدينية بالفعل يشكلان مشكلة حقيقية في العالم العربي، لكن في العالم الإسلامي الأمر مختلف، فعلي الرغم من أنه نظريا لا توجد في الإسلام سلطة سياسية لكن تاريخيا ـ وهذا هو الفارق بين الكلام النظري والتاريخ ـ كانت هناك سلطة سياسية استطاعت في عصر الدولة العباسية بطرق شتي ملتوية أن تجمع في يديها السلطتين السياسية والدينية، وأن تحول الفكر الديني إلي جزء من مؤسسة الإمبراطورية. فهذا التوحد بين السلطتين له أسباب تاريخية مرتبطة بجانبين أولهما أنه وقتئذ كان هناك الصراع مع الإمبراطورية البيزنطية، فقد انتهت الفتوحات وتم الدخول في منطقة التجاذب والتناحر والكر والفر، فالحدود أصبحت تنتهك من الجانبين، وهذا صراع يخلق توترا ويعطي للسلطة السياسية مبررات هائلة من أجل أن تعتقد أنها تدافع عن الدين وعن الحمي وعن.. وعن..، الحروب دائما تسبب هذا وبالذات في عصر الإمبراطوريات، وهذا حدث في الأندلس بنفس الدرجة، أن الأندلس طوال الوقت تعيش مسألة الحروب الريكونكسته "التحرير ضد الملوك المسيحيين". إلي أي حد هذا الوضع تغير، العالم دخل في الحرب الصليبية، والمفروض أن العالم الإسلامي انتصر في هذه الحروب، لكن انتصار الحروب يمكن أن يخلق نتائج غير إيجابية، أوروبا أفاقت بسبب الحروب الصليبية وبدأت الخروج من العصور الوسطى لأنها واجهت مجتمعات متحضرة، وعندما تقرأ تاريخ أسامة بن منقذ وترى انطباعات الجنود الصليبيين عندما دخلوا المستشفيات دهشوا للمستوى، ومن ثم الحروب الصليبية أدت إلي يقظة أوروبا وإلي نوم العالم الإسلامي علي الرغم من أن النتائج العسكرية مختلفة، النتائج العسكرية لا تفسر لك كل شيء، ومع حالة السبات الطويل للعالم الإسلامي وعدم الاحتكاك تخلّقت أوضاعا أشبه أن تكون "أمر الله"، هذا هو المجتمع، الذي حدث أن المجتمعات الإسلامية أفاقت مع الغزو الأوروبي، لكن الغزو الأوروبي أيضا عمل تأثيراته السلبية علي مسار هذه الإفاقة، يعني أوروبا رجعت مهزومة وأصيبت بالإفاقة وأخذ الإفاقة أبعادا مختلفة نسميها عصر النهضة، الإصلاح الديني،.. إلخ، إذن الإفاقة الأوروبية ليست إفاقة مصدومة، هي مصدومة بالهزيمة، لكن إفاقة تم تطويرها طبقا لآليات داخلية وصراعات أوروبية أوروبية، وبالتالي دخلت في الطريق الصحيح، وصححت أخطاءها، وانتقلت انتقالات طبيعية.الإفاقة في العالم الإسلامي جاءت علي عدو قاهر ظالم لابد أن تحاربه، ومعلم لابد أن تتعلم منه، وما تزال هذه الأوضاع موجودة، علاقة العالم الإسلامي بالعالم حوله علاقة ملتبسة، وسؤال النهضة: لماذا تقدم الأوروبيون وتخلفنا؟ فأنت تقيس تقدمك وتخلفك علي التقدم الأوروبي، لكن مسألة الصورة الملتبسة، العدو الذي يجب أن تحاربه وتحتاج إلي السلاح الذي ستحاربه به وتستورد هذا السلاح منه، والمعلم الذي قدم إنجازات إنسانية ولابد أن تتعلم منه، يتوقف الأمر في تاريخ العالم الإسلامي الحديث علي أي البعدين له الحضور الأكثر، أن تتعلم أم أن تحارب، لكن ثنائية التعلم والحرب خلقت مشكلة الانتقائية في أن لا تقبل التقدم كما هو إنما تأخذ اختيارات منه، وأصبح هناك تقدم يناسبك وأخر لا يناسبك، بناء علي هوية كاذبة خلقها الاحتلال في المحتل وهي الهوية الدينية، الهوية الإسلامية بدأت تستيقظ مع وجود الآخر الذي صنف باعتباره صليبيا ومسيحيا، يعني ذكريات الحروب الصليبية، والآخر دخل هذا العالم باعتباره عالما إسلاميا دون تمييز بين مسلم هندي ومسلم في جنوب شرق آسيا ومسلم في الشرق الأوسط، الصراع كله قائم علي مفهوم العالم الإسلامي، هذه الهوية الدينية ليست نابعة من تفكيرك المستقل وإنما هوية: الآخر طلب منك وضربك بالقلم وقال لك أنت مسلم وأنا لا أحبك لأنك مسلم، إذا حللت خطاب هنيتجيون وخطابات كثيرة جدا جوهرها أن مشكلة العالم الإسلامي أنه مسلم، وأن خلاص العالم الإسلامي وتقدمه: " أن يفض حكاية الإسلام هذه كما فضت أوروبا حكاية المسيحية "، حدث خلط رهيب جدا بين الفصل بين السلطة السياسية والسلطة الدينية وبين الفصل بين الدين والمجتمع والعالم، بما أن هذه الهوية فرضت عليك فأنت لا تريد أن تنكرها لكن تريد أن تقول ليس هذا هو سبب تخلفي، جواب النهضة من أول الأفغاني و محمد عبده وحتى حسن البنا أن الإسلام ليس مسئولا عن تخلفنا، المشكلة أننا لا نفهم الإسلام، نريد الرجوع ونعيد فهم الإسلام كما فهم الأسلاف، الأسلاف فهموا الإسلام جيدا وعملوا حضارة، العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، هذا عمق خطاب الأفغاني ومحمد عبده وقاسم أمين، الخطاب هنا يعني أن مشكلتنا أننا لا نفهم الإسلام، إذن الحل إبداع فهم للإسلام، في إبداع هذا الفهم ظل النص القرآني بمنأى، هناك إعادة نظر لكن دون أن تغير رؤيتك للنص القرآني، فأصبح الأمر اختيار معنى، هذا السؤال سؤال النهضة حدث له تحوير من مسألة: لا، مشكلتنا ليست في الإسلام ولكن في عدم فهم الإسلام والحل هو فهم الإسلام، مع حسن البنا وإلغاء الخلافة التركية التي خلقت أزمة أخرى في الهوية، أزمة سياسية قوية، وأزمة ارتبطت بأن الكماليين عملوا خطوتين الخطوة الأولي فرح بها العالم الإسلامي جدا ما عدا الهند وهي الفصل بين السلطنة والخلافة، وبعدها بشهور الغيت الخلافة وكان رد الفعل في العالم الإسلامي كان علي النقيض في موقفه من أتاتورك، وجد العالم الإسلامي نفسه عاريا من وحدة كانت خيالية أكثر منها حقيقية، وهنا تجد أن جماعة الإخوان المسلمين نشأت عام 1928، السؤال الخاص بإعادة الفهم الذي نسميه سؤال الإصلاح الديني السلفي، أصبح إجابة تانية لنفس السؤال: إننا فعلا متخلفين، هكذا اعترف الأفغاني واعترف محمد عبده، ومتخلفين ليس لكوننا لا نفهم الإسلام، وأصبحت الإجابة: فعلا نحن متخلفين لأننا لم نصبح مسلمين، وهذا في رسائل حسن البنا، فانتقلنا من أننا "مسلمون بس فهمنا وحش وعاوزين نتعلم، إلي: لا، القضية ليست أن فهمنا وحش للإسلام، داحنا أصلا بعدنا عن الإسلام، لابد من الرجوع إلي الإسلام، الإصلاح الإسلامي عمل شفت مائة وثمانون درجة من إعادة الفهم.

** المفكر الكبير د.نصر اسمح لي أن نبدأ حوارنا بالسؤال الراهن حول الإسلام والفكر الإسلامي الذي يشغلك وتبحث له عن إجابة؟** أبحث عن إجابة لكل ما ذكرته لك، كيف نبدع مقاربة للنص المؤسس القرآن، النص الأول، أهم نص في الثقافة العربية والإسلامية، بعيدا عن كل الأسئلة التي فرضتها علينا السياقات، وزيفت هذه الأسئلة عن المعنى الديني، أنا أدرك الآن أن هناك القرآن وما بعد القرآن، ما بعد القرآن يعني التراث التفسيري والتأويلي سواء كان لاهوتيا أو قانوني، أو كذا، أو كذا، الذي عمل ما يسمي ببنية الفكر الإسلامي، أنا درست ذلك نقديا بشكل جيد، هل يمكن أن نميز القرآن وما بعد القرآن؟ لأن رأيي أن القرآن تجزأ، تبعثر، يعني علماء الكلام أخذوا منه اللاهوت، الفقهاء أخذوا منه القانون، المتصوفة أخذوا منه الأخلاق والروح، كل جماعة أخذت منه جزءا وفي العصر الحديث هذه الأجزاء انفصلت، يعني في تاريخ التراث الإسلامي كان يمكن أن ترى الفقيه متصوفا ومتكلما في ذات الوقت، لكن إنتاجه الفقهي إنتاج مدرك للبعد الأخلاقي والروحي، تجد الفيلسوف فقيها مثل ابن رشد، ففلسفة ابن رشد مدركة للبعد القانوني في الإسلام علي الرغم مما يمكن أن نسميه تشظي النظر إلي القرآن من زوايا مختلفة لكن كان هناك رؤية عامة، تحكم هذا التشظي، هذه الرؤية العامة غابت تماما الآن، يعني فقيه اليوم لا يعرف أي شيء عن الأخلاق ولا عن التجربة الصوفية، التجربة الصوفية ملعونة عند فقهاء هذه الأيام، كفر، بل إن أحد الفقهاء المعاصرين كفر الشيعة، بما يعني أن التجزؤ وصل إلي حدود قصوى، أنا أتصور، وقد اشتغلت في هذا السؤال وقضايا أخرى جزئية، أننا لو عدنا إلي القرآن ما قبل، يعني لو أستطيع الاقتراب من القرآن بعيدا عن عيون المتكلمين وعيون الفقهاء وغيرهم، ولا أعني ببعيد أن تكون خاليا تماما من أي شئ، وهناك شغل في هذا "القرآنك" و"القوسط قرآنك" , و"البري قرآنك"، ما قبل القرآن، القرآن، ما بعد القرآن، سوف تكتشف مناطق من الترابط، أولا مسألة القرآن كنص محكم وفيه وحدة، هذا ما قلته في التسعينيات وعوقبت عليه، الآن أنظر إلي القرآن كخطاب، خطابات، وهذا منظور آخر لا ينكر النص، لأن كل خطاب في النهاية سيكون نصا، لكن هناك خطابات لها سياقات مختلفة، لو عدنا إلي القرآن ما قبل التشظي يمكن أن نستعيد الوحدة القرآنية، وهذا ما أشتغل عليه الآن، كم سيستغرق؟ هل سيكفي العمر؟ خاصة وأنني أعمل لوحدي وليست هناك مؤسسة، هناك ملايين تنفق علي الإعجاز العلمي لكن ليست هناك مؤسسة في العالم الإسلامي كله اسمها دراسات قرآنية بمعني دراسة القرآن وليس تعليمه، فمؤسسات تعليم القرآن كثيرة منها أقسام الدراسات الإسلامية لكنها لا تدرس الإسلام وإنما تعلمه، وهناك فرق كبير جدا جدا بين التعليم والدراسة، فالذي أحاول عمله هو دراسة للقرآن ودراسة للتراث الإسلامي

الاثنين، 5 يناير 2009


الثلاثاء - 06/01/2009
مقال تحليلي يبدأ بمساعي اردوغان في انقاذ غزة ويختم بمقارنته في تدمير الأكراد


بقلم/ أحمد زكريا
الهجمة الإسرائيلية على غزة وحقيقة المساعي التركية

لقد أثار دخول تركيا على خط الأحداث عقب إشعال إسرائيل للموقف في غزة بغاراتها الوحشية، الكثير من علامات الاستفهام، فقد كان مفهوماً أن زيارة "إيهود أولمرت" لتركيا قبيل بدء العمليات، جاءت من باب الترضية الإسرائيلية المسبقة لتركيا، وتثبيتاً لوضعية العلاقات المتميزة بين الطرفين، والتي لن تتأثر سلباً بما ستقدم عليه إسرائيل، لاحقاً، كما كان مفهوماً الغرض من زيارة "تسيبي ليفني" للقاهرة قبيل بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية بيومين، من زاوية إطلاقها لرسائل الإنذار والتهديد الإسرائيلية، من القاهرة قلب العروبة، وهي تقف بجانب وزير خارجية مصر، دون أن يبدي الأخير استهجانه للهجة الوعيد، أو حتى اندهاشه لإطلاق ضيفته لها من القاهرة، تلك الرسائل الموجهة بالأساس إلى "حماس"، وقوى المقاومة الفلسطينية، والعربية، وللخط السياسي المقاوم، والمتبلور لدى جمهور الشارع العربي بشكلٍ عام، وبما يحمله ذلك الإطلاق، لتلك الرسالة الإسرائيلية الواضحة، والقوية، والإستفزازية، من معاني، لعل من أبرزها أن إسرائيل أصبحت القوة السياسية الرئيسية في المنطقة، وأن زيارة ليفني إنما جاءت لضمان ولاء أو (تفهم) الموقف المصري إزاء ما ستقدم عليه إسرائيل من خطوات عنيفة ضد فلسطينيي غزة بعد أقل من يومين من تلك الزيارة، ولكن ما كان ملتبساً ويثير علامات الاستفهام، هو دخول تركيا بعد تفجر الأحداث كوسيطٍ بين الطرفين المتصادمين على رقعة غزة الجغرافية والسياسية، الطرف الذي تمثل مصالحه وتحظى بتأييده ودعمه إسرائيل (إسرائيل نفسها، وحليفتها أمريكا، ودول "الاعتدال" العربي)، والطرف الذي تمثل مصالحه وتحظى بتأييده حماس (قوى المقاومة الفلسطينية، والعربية، وجمهور الشارع الفلسطيني، والعربي، المعادي لخط التسوية السلمية المبتسرة مع إسرائيل).

من المعلوم أن السياسة الرسمية التركية ومنذ منتصف القرن العشرين وحتى الآن، وعلى مدار ما يزيد عن خمسة وخمسين عاماً، لا تتوافق مع مصالح الشعوب العربية من عدة جوانب:
1) الخلاف المستعر لعقود بين سوريا وتركيا بخصوص الحدود والمياه والنزاع على لواء الإسكندرونة (حطاي)، والذي لم يتم تنحيته مؤقتاً باتفاق الطرفين سوى في السنوات الثلاث الأخيرة فقط.
2) كانت تركيا من أوائل دول العالم التي اعترفت بالدولة الإسرائيلية 28/3/1949، وقبل أن تجف الدماء العربية النازفة في حرب 1948.
3) انضمام تركيا عام 1952 لحلف الأطلسي وفتح 26 منشأة عسكرية أمريكية على الأراضي التركية، والذي جاء كرد فعل لتغير الأوضاع في مصر، عقب حركة الضباط الأحرار، في العام نفسه.
4) انضمام تركيا 1955 لـ"حلف بغداد" المعادي لنزعة الاستقلال المتنامية لدى الشعوب العربية في ذلك التاريخ.
5) اتفاق صيانة الطائرات العسكرية التركية في ورش جيش الدفاع الإسرائيلي 1956، والذي تلته تركيا بتأييدها للعدوان الثلاثي على مصر، والذي لعبت فيه إسرائيل دوراً رئيسياً.
6) تصويت تركيا في الأمم المتحدة ضد استقلال الجزائر 1957، في تناقض مع مصالح ورغبات الشعب العربي، وطموحات شعوب المنطقة في التحرر.
7) وفرت تركيا للقوات الأمريكية كل نواحي الدعم والمساندة إبان التدخل الأمريكي في لبنان 1958 متحدية مشاعر الغضب الجماهيري العربية وقتها، ما حول تركيا إلى قاعدة رئيسية لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، ومنطقة الشرق الأوسط، على وجه الخصوص.
8) إبان الحرب العراقية الإيرانية سبتمبر 1980 – أغسطس 1988، تلك الحرب التي استنزفت طاقات شعوب البلدين بلا طائل، وقعت تركيا اتفاقاً سرياً مع إسرائيل، تم بموجبه تزويد إيران (الخميني - الإسلامية) بالأسلحة الإسرائيلية عبر تركيا، مقابل هجرة اليهود الإيرانيين لإسرائيل عبر تركيا، أيضاً.
9) إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان 4/6/1982 تعاونت تركيا وإسرائيل في مواجهة ما أسمياه بالإرهاب، فتعاونت أجهزة مخابرات الطرفين في برامج استخباراتية مشتركة أدى فيها كلٌ منهما الخدمات للآخر، فاستفادت تركيا بموجبها من المعلومات التي حصلت عليها من إسرائيل، حول الحركات الكوردية، والأرمنية، والتركية المعارضة للنظام التركي، والناشطة آنذاك، في الساحة اللبنانية، متوافقة ومتحالفةً مع حركة التحرر الوطني الفلسطيني والجبهة الوطنية التقدمية اللبنانية، في مقابل ما قدمته تركيا لإسرائيل من معلومات استخباراتية مماثلة عن النشاط الفدائي الفلسطيني.
10) تم الإعلان في مارس 1996 عن اتفاق شراكة وحلف عسكري إسرائيلي – تركي، تناول كل نواحي العلاقات العسكرية، وعلى كافة المستويات بين الطرفين، من صفقات سلاح إسرائيلية إلى تركيا، إلى صيانة معدات وطائرات عسكرية وخلافه، إلى تبادل خبرات ومعلومات وتعاون على المستوى الاستخباراتي العسكري، والتقني العسكري، وما إلى ذلك من مختلف المجالات العسكرية، والتي ضخت للاقتصاد الإسرائيلي ما يزيد عن عشرين مليار دولار، خلال الخمس سنوات التالية للاتفاق المذكور.
11) في مقابل التعاون التركي مع إسرائيل على خلفية اتفاق الشراكة العسكرية، وبغية التقارب وتوثيق العلاقات الإسرائيلية مع تركيا، قدمت إسرائيل خدمتها الأساسية للحكم التركي، بضلوعها بالتخطيط والترتيب والتنفيذ لمؤامرة اعتقال القائد والزعيم الكوردي "عبد الله أوجلان"، بتدبير مؤامرة طويلة انتهت باختطافه من نيروبي في 15 فبراير/ شباط 1999، وتسليمه لتركيا، حيث نفذت تلك المؤامرة المخابرات الإسرائيلية الموساد بالتعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية، ومشاركة العديد من الأجهزة الاستخباراتية، والجهات الأمنية والدبلوماسية العربية، والأوروبية، الصديقة لإسرائيل.
12) الدور النشط الذي لعبته تركيا على مدار أكثر من سنتين للتقريب بين سوريا وإسرائيل، بإدارة مباحثات ومفاوضات سرية بين الطرفين، بهدف استدراج الحكم السوري لجوقة دول "الاعتدال" العربي، الخاضعة للإرادة السياسية الإسرائيلية، والتي ترتبط معها باتفاقيات سلام، وتطبيع، وتمثيل دبلوماسي، وتجاري، وعلاقات اقتصادية، وخلافه، متجاوزةً بذلك كافة الحقوق الفلسطينية، والعربية، في أرض فلسطين المغتصبة إسرائيلياً.
مما يزيد علامات الاستفهام هو تغافل الحكم التركي، ذا التوجه الشكلي الإسلامي، لكل التجاوزات والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني طوال سنوات الانتفاضة الثمانية والتي امتدت منذ 28 سبتمبر/ أيلول 2000، وحتى الآن، والتي راح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني بين شهيد وجريح، فضلاً عن غض الطرف التركي عن العدوان الوحشي الإسرائيلي الأسود على الشعب اللبناني يوليو – أغسطس 2006.
وبعد، وعبر الاستعراض السابق للموقف التركي من القضايا العربية، والذي يفصخ بجلاء عن التوجه السياسي التركي الثابت بل والمتصاعد المتعاون مع إسرائيل، يثور سؤال حول محددات الموقف التركي المتشدد ضد اسرائيل حيال الأزمة الأخيرة، فقد اعتبر "رجب طيب أردوغان" أن الاعتداء الإسرائيلي الجاري على غزة يمثل "إهانة للدولة التركية"، ليس لارتكاب إسرائيل لجرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني، وليس لأنه مصادرة إسرائيلية لحرية اختيار الشعب الفلسطيني لقيادته السياسية، وخطه السياسي المقاوم والمستقل، وإنما لأن إيهود أولمرت (غـَـفـَّـلَ) أردوغان، بعد أن قطع له وعداً خلال زيارته الأخيرة لتركيا، ستة أيام قبل بدء الضربة الإسرائيلية لقطاع غزة، بالتعاطي مع رؤية "أردوغان" المقترحة بدخول تركيا كوسيط بين حماس وإسرائيل، ودراستها مع مجلس الوزراء الإسرائيلي. فما هي محددات الموقف التركي حيال الأحداث الملتهبة في غزة حالياً؟
1) طموح تركيا إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مع إدراكها بأن ذلك لن يتحقق إلا عبر البوابة الإسرائيلية، خاصةً بعد اتخاذ الاتحاد الأوروبي قراراً في 8/12/2008 بتعزيز علاقته مع إسرائيل، الأمر الذي دفع تركيا للعب دوراً، يخدم في محصلته النهائية، المصالح الإسرائيلية في الأزمة الأخيرة في غزة، وإن كان مغلفاً بالنوايا الطيبة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، بدخول تركيا على خط الأحداث، فقد تلقـفـت تركيا زيارة "أحمد أبو الغيط" لأنقرة عقب بداية الحملة الإسرائيلية، بدهشة، حيث قدمت مصر لتركيا خدمةً غير متوقعة، بدفعها للمشاركة في إدارة الأحداث الجارية بالمنطقة، دون طلب من تركيا ذاتها، وكأن مصر قد تنازلت عن الدور المأمول منها عربياً كقيادة إقليمية، وقدمته لتركيا طواعيةً، وسرعان ما طورت تركيا دهشتها إلى فعلٍ مباشر، فسارع أردوغان بمباشرة جولته في المنطقة، حيث لم يحمل مبادرة تركية خاصة لحل الأزمة الأخيرة، وإنما حمل تصور دول الاعتدال العربية في المنطقة (المؤيدة للتهدئة مع إسرائيل وعقد اتفاقات المصالحة معها)، ذلك التصور الذي يحقق الأهداف الإسرائيلية في النهاية، حيث ارتكز هذا التصور على مقترحات وزير الخارجية المصري بـ(وقف "طرفي" الصراع لإطلاق النار، وعودة "الطرفين" للتهدئة، وفتح المعابر بين غزة وإسرائيل، مقابل رفع الحصار) إلا أن أردوغان طوَّر المقترح الثالث إلى (فتح جميع المعابر، بما فيها معبر رفح، مع عرض نزول قوات تركية لتنفيذ ذلك، إن لزم الأمر!) على أمل أن تقبل حماس ومصر بهذا التعديل، الذي يحل الخلاف بين الطرفين فيما يتعلق بهذه النقطة، وغالباً ستقبله إسرائيل، أيضاً، باعتبار العلاقة الحميمة بين تركيا وإسرائيل، وليكون هذا بديلاً عن نزول قوات دوليه تشرف على الوضع وتشغيل المعابر في غزة، وهو ما رفضته حماس مسبقاً وبحسم.
2) مثلت زيارة "أحمد أبو الغيط"، وزير الخارجية المصري، لتركيا إعلاناً بعدم قدرة الديبلوماسية المصرية على مواصلة وساطتها بين المقاومة المسلحة الفلسطينية، باعتبارها قوة تحررية، وقوة الاحتلال الإسرائيلية، بل وترشيحاً مصرياً لتركيا، وتزكيةً لها، لخلافة مصر للقيام بهذا الدور، خاصةً وأن السياسة التركية مرتبطة عضوياً بإسرائيل، وطموحات الطرفين في المنطقة، مشتركة الأهداف استراتيجياً، وتخدم التوجهات السياسية لدول "الاعتدال" العربية، وهو ما منح فرصة ذهبية لانطلاق المساعي الدبلوماسية التركية في المنطقة، لدى كافة الأطراف، سواء محور "الاعتدال" العربي، أو محور "الممانعة"، بما يضمن نشاطاً سياسياً تركياً في قلب المنطقة، وتوسيعاً لتواجدها السياسي الذي تطمح لتنميته فيها، في مواجهة نمو التواجد الإيراني، وتصاعد تأثيرها السياسي في العراق، وتحالفها مع الحكم السوري، ودعمها لقوى المقاومة اللبنانية، ذلك الآدء السياسي الذي بات يتضرر منه محور "الاعتدال" العربي على الملأ، وبلا مواربة، ويؤرق كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فضلاً عن تركيا ذاتها.
3) مثلت زيارة أردوغان للمنطقة ابتداءً بدمشق، صمام أمان هام بالنسبة لتركيا، لمنع انهيار الوساطة التركية بين إسرائيل وسوريا، إثر الهجوم الإسرائيلي العنيف على "حماس" حليف سوريا، ووصول تلك الوساطة إلى نقطة اللا عودة، بسبب دعم سوريا لـ"حماس"، في الوقت الذي تحتفظ فيه تركيا بعلاقة مميزة مع إسرائيل، فقد بادر أردوغان بنفسه، مستبقاً بذلك الموقف السوري، بإعلان وقف وساطته في المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب، كرد فعل للعدوان الإسرائيلي على غزة، معقباً على ذلك بزيارته لدمشق، كأول محطة له في المنطقة، الأمر الذي يضمن استمرار الصلة الوثيقة بين تركيا وسوريا، وفي الوقت نفسه، فإن العلاقات التركية الإسرائيلية لن تتأثر سلباً بتلك التصريحات التركية النارية، ليقين تل أبيب برسوخ علاقتها الاستراتيجية بأنقره، فضلاً عن أن الموقف التركي إنما ينطلق من قاعدة تحقيق مصالح دول "الاعتدال" في المنطقة، ولن يقطع أشواطاً في اتجاه محور "الممانعة"، لتحالف ذلك المحور مسبقاً مع إيران، وهو ما يناقض الطموحات التركية في المنطقة. الأمر الذي يضمن لتركيا إمكانية إعادة تفعيل وساطتها بين دمشق وتل أبيب مستقبلاً، وبسلاسة، ودون حساسية من جانب دمشق حيال أنقره، وذلك حين تهدأ الأمور، ويصبح الظرف السياسي مواتياً لإستكمال تلك المساعي.
4) عقب اندلاع الهجمة الإسرائيلية في 27/12/2008 على أهالي غزة، شهدت عدد من المدن الكوردية (باطمان وغيرها) الواقعة ضمن النطاق السياسي للدولة التركية، تظاهرات احتجاجية منددة بوحشية العدوان الاسرائيلي، تبعتها تظاهرات في استانبول وأنقرة، والعديد من المدن التركية، أكدت على نفس الموقف التضامني الشعبي مع جماهير غزة في محنتهم. الأمر الذي لم يغفله أردوغان، فأطلق تصريحاته المنددة بالعدوان الإسرائيلي تلبيةً لمطالب الشارع التركي، ثم انطلق في جولته المكوكية في المنطقة العربية، مغازلاً مشاعر الناخب الكوردي والتركي، ومستجيباً لرغبته، باعتبار أردوغان "يهب" لوقف نزيف الدم الفلسطيني، ولوقف العدوان الإسرائيلي، آملاً في حشد الأصوات الانتخابية في الانتخابات البلدية القادمة في مارس/ آذار 2009 لصالح حزبه (حزب العدالة والتنمية)، والتي يزاحمه عليها عدوه الأول "حزب العمال الكوردستاني" المتحالف مع "حزب المجتمع الديمقراطي"، والذي يحظى تحالفهما بثقل كبير في المناطق الكوردية بشرق ووسط وجنوب تركيا، بل وفي بعض الدوائر الانتخابية في أنقره واستانبول نفسيهما، حيث يشكل هذا التحالف تهديداً حقيقياً لأردوغان، باكتساح تحالف الحزبين سالفي الذكر لمقاعد الانتخابات البلدية المشار إليها في تلك المناطق، علاوة على المنافسة الشرسة بين "حزب العدالة والتنمية" والأحزاب القومية التركية التقليدية، المدعومة من الجيش، والدوائر القضائية، في غرب تركيا، في تلك الانتخابات، التي باتت على الأبواب.
وأخيراً، فإن "فاقد الشيء لا يعطيه"، فقد أعلن "حزب العمال الكوردستاني" في 7/12/2008 تجميد عملياته العسكرية في المناطق الكوردية شرق تركيا، لمدة تسعة أيام، هي فترة عيد الأضحى، أسوةً بمبادرة مماثلة اتخذها الحزب نفسه في عيد الفطر الماضي، في محاولة منه لإتاحة فرصة لتنشيط الحلول السلمية للمشكلة الكوردية في تركيا، والتي لم يكف ذلك الحزب عن الدعوة لها منذ سنوات، لإنهاء المظالم التي يعانيها الأكراد من تعسف الحكومات التركية المتعاقبة بخصوص حقوقه القومية والثقافية والتاريخية، فما كان من الجيش التركي، وبدعم ومساندة غير محدودة من الحكومة التركية برئاسة "أردوغان – جول"، إلا أن واصل قصف المناطق الكوردية شرق ووسط تركيا، بالمدفعية والطيران (الإف 16، والكوبرا)، موقعاً خسائر فادحة بالمدنيين والقرويين الأكراد، فحطم مدارسهم، ومساجدهم، ودورهم، وقضى على مواشيهم وأغنامهم، وأشعل النار في غاباتهم، غير عابيءٍ بآلام هؤلاء البسطاء، ولا بحقوقهم الإنسانية، وبنفس النهج البربري الذي تمارسه إسرائيل ضد أهالي غزة في حملتها الأخيرة، واستمرت عمليات الجيش التركي دون توقف حتى الآن، وبتعاون وتنسيق مع قصفٍ مماثل من الجانب الإيراني، على نفس المناطق، بدعوى محاربة ما يطلق عليه الطرفان: إرهاب "حزب العمال الكوردستاني"، والحزب الكوردي المقرب منه في شرق كوردستان "حزب الحياة الحرة" (البيجاك)، مع تجاهل تام لإعلان قوات "حزب العمال" وقف عملياتها، ومن اللافت أن تتواجد بعثة عسكرية إسرائيلية في مدينة "باطمان" منذ أكثر من عامٍ مضى، تشارك بخبرتها العسكرية، في تنسيق هذه الحملة العسكرية التركية على المناطق الكوردية، التي يتواجد فيها "حزب العمال الكوردستاني" بدعوى التعاون مع الحكومة التركية ضد الإرهاب، مع إمداد إسرائيل لتركيا بطائرات (إف 16 وكوبرا وهيرون) والتعاون مع الجيش التركي، في تشغيل وتوجيه تلك الطائرات، لمهاجمة المناطق الكوردية، التي يشكل "حزب العمال الكوردستاني" القوة السياسية الأولى فيها، هذا الموقف يتماثل وبكل دقة مع ما تمارسه القوات الإسرائيلية مع أهالي قطاع غزة، وبالأساليب نفسها، والوحشية ذاتها، وتحت نفس الادعاءات، ولا عجب في هذا، فكلا النظامين (التركي والإسرائيلي) تحكمه نفس المعايير والتوجهات العنصرية المعادية لحقوق الشعوب، إلا أن المثير للدهشة، هو ما صرح به "رجب طيب أردوغان" في مؤتمرٍ صحفي، أعقب لقاءه بالقيادة المصرية، في شرم الشيخ، حيث قال: أن بلاده ستحاول وقف العدوان على غزة، من خلال عضويتها المؤقتة في مجلس الأمن، وجدد أردوغان دعوة بلاده إلى وقف فوري لإطلاق النار، في غزة، مؤكدا أن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي مظالم تتم ممارستها في المنطقة. ويثور هنا سؤال يؤرق ضمير كل حر ومنصف، ألا تقع كوردستان في "المنطقة"؟ ألا يمثل قصف الجيش التركي حالياً للقرويين الكورد وتحطيم حياتهم "مظالم"؟، ألا يجدر "بالطيب أردوغان" إيقاف المجازر التركية ضد الشعب الكوردي، قبل أن يحاول وقف مجازر أصدقائه الإسرائيليين بحق الشعب العربي في غزة؟ كي تكتسب مساعيه مصداقية حقيقية أمام شعوب المنطقة، فإن "فاقد الشيء لا يعطيه"! والازدواجية السياسية هي انتهازية لا تنطلي على أحد!

الثلاثاء - 06/01/2009
مقال تحليلي يبدأ بمساعي اردوغان في انقاذ غزة ويختم بمقارنته في تدمير الأكراد


بقلم/ أحمد زكريا
الهجمة الإسرائيلية على غزة وحقيقة المساعي التركية

لقد أثار دخول تركيا على خط الأحداث عقب إشعال إسرائيل للموقف في غزة بغاراتها الوحشية، الكثير من علامات الاستفهام، فقد كان مفهوماً أن زيارة "إيهود أولمرت" لتركيا قبيل بدء العمليات، جاءت من باب الترضية الإسرائيلية المسبقة لتركيا، وتثبيتاً لوضعية العلاقات المتميزة بين الطرفين، والتي لن تتأثر سلباً بما ستقدم عليه إسرائيل، لاحقاً، كما كان مفهوماً الغرض من زيارة "تسيبي ليفني" للقاهرة قبيل بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية بيومين، من زاوية إطلاقها لرسائل الإنذار والتهديد الإسرائيلية، من القاهرة قلب العروبة، وهي تقف بجانب وزير خارجية مصر، دون أن يبدي الأخير استهجانه للهجة الوعيد، أو حتى اندهاشه لإطلاق ضيفته لها من القاهرة، تلك الرسائل الموجهة بالأساس إلى "حماس"، وقوى المقاومة الفلسطينية، والعربية، وللخط السياسي المقاوم، والمتبلور لدى جمهور الشارع العربي بشكلٍ عام، وبما يحمله ذلك الإطلاق، لتلك الرسالة الإسرائيلية الواضحة، والقوية، والإستفزازية، من معاني، لعل من أبرزها أن إسرائيل أصبحت القوة السياسية الرئيسية في المنطقة، وأن زيارة ليفني إنما جاءت لضمان ولاء أو (تفهم) الموقف المصري إزاء ما ستقدم عليه إسرائيل من خطوات عنيفة ضد فلسطينيي غزة بعد أقل من يومين من تلك الزيارة، ولكن ما كان ملتبساً ويثير علامات الاستفهام، هو دخول تركيا بعد تفجر الأحداث كوسيطٍ بين الطرفين المتصادمين على رقعة غزة الجغرافية والسياسية، الطرف الذي تمثل مصالحه وتحظى بتأييده ودعمه إسرائيل (إسرائيل نفسها، وحليفتها أمريكا، ودول "الاعتدال" العربي)، والطرف الذي تمثل مصالحه وتحظى بتأييده حماس (قوى المقاومة الفلسطينية، والعربية، وجمهور الشارع الفلسطيني، والعربي، المعادي لخط التسوية السلمية المبتسرة مع إسرائيل).

من المعلوم أن السياسة الرسمية التركية ومنذ منتصف القرن العشرين وحتى الآن، وعلى مدار ما يزيد عن خمسة وخمسين عاماً، لا تتوافق مع مصالح الشعوب العربية من عدة جوانب:
1) الخلاف المستعر لعقود بين سوريا وتركيا بخصوص الحدود والمياه والنزاع على لواء الإسكندرونة (حطاي)، والذي لم يتم تنحيته مؤقتاً باتفاق الطرفين سوى في السنوات الثلاث الأخيرة فقط.
2) كانت تركيا من أوائل دول العالم التي اعترفت بالدولة الإسرائيلية 28/3/1949، وقبل أن تجف الدماء العربية النازفة في حرب 1948.
3) انضمام تركيا عام 1952 لحلف الأطلسي وفتح 26 منشأة عسكرية أمريكية على الأراضي التركية، والذي جاء كرد فعل لتغير الأوضاع في مصر، عقب حركة الضباط الأحرار، في العام نفسه.
4) انضمام تركيا 1955 لـ"حلف بغداد" المعادي لنزعة الاستقلال المتنامية لدى الشعوب العربية في ذلك التاريخ.
5) اتفاق صيانة الطائرات العسكرية التركية في ورش جيش الدفاع الإسرائيلي 1956، والذي تلته تركيا بتأييدها للعدوان الثلاثي على مصر، والذي لعبت فيه إسرائيل دوراً رئيسياً.
6) تصويت تركيا في الأمم المتحدة ضد استقلال الجزائر 1957، في تناقض مع مصالح ورغبات الشعب العربي، وطموحات شعوب المنطقة في التحرر.
7) وفرت تركيا للقوات الأمريكية كل نواحي الدعم والمساندة إبان التدخل الأمريكي في لبنان 1958 متحدية مشاعر الغضب الجماهيري العربية وقتها، ما حول تركيا إلى قاعدة رئيسية لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، ومنطقة الشرق الأوسط، على وجه الخصوص.
8) إبان الحرب العراقية الإيرانية سبتمبر 1980 – أغسطس 1988، تلك الحرب التي استنزفت طاقات شعوب البلدين بلا طائل، وقعت تركيا اتفاقاً سرياً مع إسرائيل، تم بموجبه تزويد إيران (الخميني - الإسلامية) بالأسلحة الإسرائيلية عبر تركيا، مقابل هجرة اليهود الإيرانيين لإسرائيل عبر تركيا، أيضاً.
9) إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان 4/6/1982 تعاونت تركيا وإسرائيل في مواجهة ما أسمياه بالإرهاب، فتعاونت أجهزة مخابرات الطرفين في برامج استخباراتية مشتركة أدى فيها كلٌ منهما الخدمات للآخر، فاستفادت تركيا بموجبها من المعلومات التي حصلت عليها من إسرائيل، حول الحركات الكوردية، والأرمنية، والتركية المعارضة للنظام التركي، والناشطة آنذاك، في الساحة اللبنانية، متوافقة ومتحالفةً مع حركة التحرر الوطني الفلسطيني والجبهة الوطنية التقدمية اللبنانية، في مقابل ما قدمته تركيا لإسرائيل من معلومات استخباراتية مماثلة عن النشاط الفدائي الفلسطيني.
10) تم الإعلان في مارس 1996 عن اتفاق شراكة وحلف عسكري إسرائيلي – تركي، تناول كل نواحي العلاقات العسكرية، وعلى كافة المستويات بين الطرفين، من صفقات سلاح إسرائيلية إلى تركيا، إلى صيانة معدات وطائرات عسكرية وخلافه، إلى تبادل خبرات ومعلومات وتعاون على المستوى الاستخباراتي العسكري، والتقني العسكري، وما إلى ذلك من مختلف المجالات العسكرية، والتي ضخت للاقتصاد الإسرائيلي ما يزيد عن عشرين مليار دولار، خلال الخمس سنوات التالية للاتفاق المذكور.
11) في مقابل التعاون التركي مع إسرائيل على خلفية اتفاق الشراكة العسكرية، وبغية التقارب وتوثيق العلاقات الإسرائيلية مع تركيا، قدمت إسرائيل خدمتها الأساسية للحكم التركي، بضلوعها بالتخطيط والترتيب والتنفيذ لمؤامرة اعتقال القائد والزعيم الكوردي "عبد الله أوجلان"، بتدبير مؤامرة طويلة انتهت باختطافه من نيروبي في 15 فبراير/ شباط 1999، وتسليمه لتركيا، حيث نفذت تلك المؤامرة المخابرات الإسرائيلية الموساد بالتعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية، ومشاركة العديد من الأجهزة الاستخباراتية، والجهات الأمنية والدبلوماسية العربية، والأوروبية، الصديقة لإسرائيل.
12) الدور النشط الذي لعبته تركيا على مدار أكثر من سنتين للتقريب بين سوريا وإسرائيل، بإدارة مباحثات ومفاوضات سرية بين الطرفين، بهدف استدراج الحكم السوري لجوقة دول "الاعتدال" العربي، الخاضعة للإرادة السياسية الإسرائيلية، والتي ترتبط معها باتفاقيات سلام، وتطبيع، وتمثيل دبلوماسي، وتجاري، وعلاقات اقتصادية، وخلافه، متجاوزةً بذلك كافة الحقوق الفلسطينية، والعربية، في أرض فلسطين المغتصبة إسرائيلياً.
مما يزيد علامات الاستفهام هو تغافل الحكم التركي، ذا التوجه الشكلي الإسلامي، لكل التجاوزات والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني طوال سنوات الانتفاضة الثمانية والتي امتدت منذ 28 سبتمبر/ أيلول 2000، وحتى الآن، والتي راح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني بين شهيد وجريح، فضلاً عن غض الطرف التركي عن العدوان الوحشي الإسرائيلي الأسود على الشعب اللبناني يوليو – أغسطس 2006.
وبعد، وعبر الاستعراض السابق للموقف التركي من القضايا العربية، والذي يفصخ بجلاء عن التوجه السياسي التركي الثابت بل والمتصاعد المتعاون مع إسرائيل، يثور سؤال حول محددات الموقف التركي المتشدد ضد اسرائيل حيال الأزمة الأخيرة، فقد اعتبر "رجب طيب أردوغان" أن الاعتداء الإسرائيلي الجاري على غزة يمثل "إهانة للدولة التركية"، ليس لارتكاب إسرائيل لجرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني، وليس لأنه مصادرة إسرائيلية لحرية اختيار الشعب الفلسطيني لقيادته السياسية، وخطه السياسي المقاوم والمستقل، وإنما لأن إيهود أولمرت (غـَـفـَّـلَ) أردوغان، بعد أن قطع له وعداً خلال زيارته الأخيرة لتركيا، ستة أيام قبل بدء الضربة الإسرائيلية لقطاع غزة، بالتعاطي مع رؤية "أردوغان" المقترحة بدخول تركيا كوسيط بين حماس وإسرائيل، ودراستها مع مجلس الوزراء الإسرائيلي. فما هي محددات الموقف التركي حيال الأحداث الملتهبة في غزة حالياً؟
1) طموح تركيا إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مع إدراكها بأن ذلك لن يتحقق إلا عبر البوابة الإسرائيلية، خاصةً بعد اتخاذ الاتحاد الأوروبي قراراً في 8/12/2008 بتعزيز علاقته مع إسرائيل، الأمر الذي دفع تركيا للعب دوراً، يخدم في محصلته النهائية، المصالح الإسرائيلية في الأزمة الأخيرة في غزة، وإن كان مغلفاً بالنوايا الطيبة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، بدخول تركيا على خط الأحداث، فقد تلقـفـت تركيا زيارة "أحمد أبو الغيط" لأنقرة عقب بداية الحملة الإسرائيلية، بدهشة، حيث قدمت مصر لتركيا خدمةً غير متوقعة، بدفعها للمشاركة في إدارة الأحداث الجارية بالمنطقة، دون طلب من تركيا ذاتها، وكأن مصر قد تنازلت عن الدور المأمول منها عربياً كقيادة إقليمية، وقدمته لتركيا طواعيةً، وسرعان ما طورت تركيا دهشتها إلى فعلٍ مباشر، فسارع أردوغان بمباشرة جولته في المنطقة، حيث لم يحمل مبادرة تركية خاصة لحل الأزمة الأخيرة، وإنما حمل تصور دول الاعتدال العربية في المنطقة (المؤيدة للتهدئة مع إسرائيل وعقد اتفاقات المصالحة معها)، ذلك التصور الذي يحقق الأهداف الإسرائيلية في النهاية، حيث ارتكز هذا التصور على مقترحات وزير الخارجية المصري بـ(وقف "طرفي" الصراع لإطلاق النار، وعودة "الطرفين" للتهدئة، وفتح المعابر بين غزة وإسرائيل، مقابل رفع الحصار) إلا أن أردوغان طوَّر المقترح الثالث إلى (فتح جميع المعابر، بما فيها معبر رفح، مع عرض نزول قوات تركية لتنفيذ ذلك، إن لزم الأمر!) على أمل أن تقبل حماس ومصر بهذا التعديل، الذي يحل الخلاف بين الطرفين فيما يتعلق بهذه النقطة، وغالباً ستقبله إسرائيل، أيضاً، باعتبار العلاقة الحميمة بين تركيا وإسرائيل، وليكون هذا بديلاً عن نزول قوات دوليه تشرف على الوضع وتشغيل المعابر في غزة، وهو ما رفضته حماس مسبقاً وبحسم.
2) مثلت زيارة "أحمد أبو الغيط"، وزير الخارجية المصري، لتركيا إعلاناً بعدم قدرة الديبلوماسية المصرية على مواصلة وساطتها بين المقاومة المسلحة الفلسطينية، باعتبارها قوة تحررية، وقوة الاحتلال الإسرائيلية، بل وترشيحاً مصرياً لتركيا، وتزكيةً لها، لخلافة مصر للقيام بهذا الدور، خاصةً وأن السياسة التركية مرتبطة عضوياً بإسرائيل، وطموحات الطرفين في المنطقة، مشتركة الأهداف استراتيجياً، وتخدم التوجهات السياسية لدول "الاعتدال" العربية، وهو ما منح فرصة ذهبية لانطلاق المساعي الدبلوماسية التركية في المنطقة، لدى كافة الأطراف، سواء محور "الاعتدال" العربي، أو محور "الممانعة"، بما يضمن نشاطاً سياسياً تركياً في قلب المنطقة، وتوسيعاً لتواجدها السياسي الذي تطمح لتنميته فيها، في مواجهة نمو التواجد الإيراني، وتصاعد تأثيرها السياسي في العراق، وتحالفها مع الحكم السوري، ودعمها لقوى المقاومة اللبنانية، ذلك الآدء السياسي الذي بات يتضرر منه محور "الاعتدال" العربي على الملأ، وبلا مواربة، ويؤرق كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فضلاً عن تركيا ذاتها.
3) مثلت زيارة أردوغان للمنطقة ابتداءً بدمشق، صمام أمان هام بالنسبة لتركيا، لمنع انهيار الوساطة التركية بين إسرائيل وسوريا، إثر الهجوم الإسرائيلي العنيف على "حماس" حليف سوريا، ووصول تلك الوساطة إلى نقطة اللا عودة، بسبب دعم سوريا لـ"حماس"، في الوقت الذي تحتفظ فيه تركيا بعلاقة مميزة مع إسرائيل، فقد بادر أردوغان بنفسه، مستبقاً بذلك الموقف السوري، بإعلان وقف وساطته في المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب، كرد فعل للعدوان الإسرائيلي على غزة، معقباً على ذلك بزيارته لدمشق، كأول محطة له في المنطقة، الأمر الذي يضمن استمرار الصلة الوثيقة بين تركيا وسوريا، وفي الوقت نفسه، فإن العلاقات التركية الإسرائيلية لن تتأثر سلباً بتلك التصريحات التركية النارية، ليقين تل أبيب برسوخ علاقتها الاستراتيجية بأنقره، فضلاً عن أن الموقف التركي إنما ينطلق من قاعدة تحقيق مصالح دول "الاعتدال" في المنطقة، ولن يقطع أشواطاً في اتجاه محور "الممانعة"، لتحالف ذلك المحور مسبقاً مع إيران، وهو ما يناقض الطموحات التركية في المنطقة. الأمر الذي يضمن لتركيا إمكانية إعادة تفعيل وساطتها بين دمشق وتل أبيب مستقبلاً، وبسلاسة، ودون حساسية من جانب دمشق حيال أنقره، وذلك حين تهدأ الأمور، ويصبح الظرف السياسي مواتياً لإستكمال تلك المساعي.
4) عقب اندلاع الهجمة الإسرائيلية في 27/12/2008 على أهالي غزة، شهدت عدد من المدن الكوردية (باطمان وغيرها) الواقعة ضمن النطاق السياسي للدولة التركية، تظاهرات احتجاجية منددة بوحشية العدوان الاسرائيلي، تبعتها تظاهرات في استانبول وأنقرة، والعديد من المدن التركية، أكدت على نفس الموقف التضامني الشعبي مع جماهير غزة في محنتهم. الأمر الذي لم يغفله أردوغان، فأطلق تصريحاته المنددة بالعدوان الإسرائيلي تلبيةً لمطالب الشارع التركي، ثم انطلق في جولته المكوكية في المنطقة العربية، مغازلاً مشاعر الناخب الكوردي والتركي، ومستجيباً لرغبته، باعتبار أردوغان "يهب" لوقف نزيف الدم الفلسطيني، ولوقف العدوان الإسرائيلي، آملاً في حشد الأصوات الانتخابية في الانتخابات البلدية القادمة في مارس/ آذار 2009 لصالح حزبه (حزب العدالة والتنمية)، والتي يزاحمه عليها عدوه الأول "حزب العمال الكوردستاني" المتحالف مع "حزب المجتمع الديمقراطي"، والذي يحظى تحالفهما بثقل كبير في المناطق الكوردية بشرق ووسط وجنوب تركيا، بل وفي بعض الدوائر الانتخابية في أنقره واستانبول نفسيهما، حيث يشكل هذا التحالف تهديداً حقيقياً لأردوغان، باكتساح تحالف الحزبين سالفي الذكر لمقاعد الانتخابات البلدية المشار إليها في تلك المناطق، علاوة على المنافسة الشرسة بين "حزب العدالة والتنمية" والأحزاب القومية التركية التقليدية، المدعومة من الجيش، والدوائر القضائية، في غرب تركيا، في تلك الانتخابات، التي باتت على الأبواب.
وأخيراً، فإن "فاقد الشيء لا يعطيه"، فقد أعلن "حزب العمال الكوردستاني" في 7/12/2008 تجميد عملياته العسكرية في المناطق الكوردية شرق تركيا، لمدة تسعة أيام، هي فترة عيد الأضحى، أسوةً بمبادرة مماثلة اتخذها الحزب نفسه في عيد الفطر الماضي، في محاولة منه لإتاحة فرصة لتنشيط الحلول السلمية للمشكلة الكوردية في تركيا، والتي لم يكف ذلك الحزب عن الدعوة لها منذ سنوات، لإنهاء المظالم التي يعانيها الأكراد من تعسف الحكومات التركية المتعاقبة بخصوص حقوقه القومية والثقافية والتاريخية، فما كان من الجيش التركي، وبدعم ومساندة غير محدودة من الحكومة التركية برئاسة "أردوغان – جول"، إلا أن واصل قصف المناطق الكوردية شرق ووسط تركيا، بالمدفعية والطيران (الإف 16، والكوبرا)، موقعاً خسائر فادحة بالمدنيين والقرويين الأكراد، فحطم مدارسهم، ومساجدهم، ودورهم، وقضى على مواشيهم وأغنامهم، وأشعل النار في غاباتهم، غير عابيءٍ بآلام هؤلاء البسطاء، ولا بحقوقهم الإنسانية، وبنفس النهج البربري الذي تمارسه إسرائيل ضد أهالي غزة في حملتها الأخيرة، واستمرت عمليات الجيش التركي دون توقف حتى الآن، وبتعاون وتنسيق مع قصفٍ مماثل من الجانب الإيراني، على نفس المناطق، بدعوى محاربة ما يطلق عليه الطرفان: إرهاب "حزب العمال الكوردستاني"، والحزب الكوردي المقرب منه في شرق كوردستان "حزب الحياة الحرة" (البيجاك)، مع تجاهل تام لإعلان قوات "حزب العمال" وقف عملياتها، ومن اللافت أن تتواجد بعثة عسكرية إسرائيلية في مدينة "باطمان" منذ أكثر من عامٍ مضى، تشارك بخبرتها العسكرية، في تنسيق هذه الحملة العسكرية التركية على المناطق الكوردية، التي يتواجد فيها "حزب العمال الكوردستاني" بدعوى التعاون مع الحكومة التركية ضد الإرهاب، مع إمداد إسرائيل لتركيا بطائرات (إف 16 وكوبرا وهيرون) والتعاون مع الجيش التركي، في تشغيل وتوجيه تلك الطائرات، لمهاجمة المناطق الكوردية، التي يشكل "حزب العمال الكوردستاني" القوة السياسية الأولى فيها، هذا الموقف يتماثل وبكل دقة مع ما تمارسه القوات الإسرائيلية مع أهالي قطاع غزة، وبالأساليب نفسها، والوحشية ذاتها، وتحت نفس الادعاءات، ولا عجب في هذا، فكلا النظامين (التركي والإسرائيلي) تحكمه نفس المعايير والتوجهات العنصرية المعادية لحقوق الشعوب، إلا أن المثير للدهشة، هو ما صرح به "رجب طيب أردوغان" في مؤتمرٍ صحفي، أعقب لقاءه بالقيادة المصرية، في شرم الشيخ، حيث قال: أن بلاده ستحاول وقف العدوان على غزة، من خلال عضويتها المؤقتة في مجلس الأمن، وجدد أردوغان دعوة بلاده إلى وقف فوري لإطلاق النار، في غزة، مؤكدا أن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي مظالم تتم ممارستها في المنطقة. ويثور هنا سؤال يؤرق ضمير كل حر ومنصف، ألا تقع كوردستان في "المنطقة"؟ ألا يمثل قصف الجيش التركي حالياً للقرويين الكورد وتحطيم حياتهم "مظالم"؟، ألا يجدر "بالطيب أردوغان" إيقاف المجازر التركية ضد الشعب الكوردي، قبل أن يحاول وقف مجازر أصدقائه الإسرائيليين بحق الشعب العربي في غزة؟ كي تكتسب مساعيه مصداقية حقيقية أمام شعوب المنطقة، فإن "فاقد الشيء لا يعطيه"! والازدواجية السياسية هي انتهازية لا تنطلي على أحد!

الأحد، 4 يناير 2009


فلسطين المحتلة مرتين
GMT 8:00:00 2009 الأحد 4 يناير
هوشنك بروكا
-->هوشنك بروكا
فلسطين، في الأدبيات الدينية، إسلامياً، تسمى ب"الأرض المباركة"(يُنظر سورة الإسراء:1، وسورة الأنبياء:71) ويُصلى لها بإعتبارها جهةً ل"بيت المقدس" و"أولى القبلتين"، و"ثالث الحرمين"، أما يهودياً، فيُطلق عليها "إيرتس يسرائيل" أي "بلاد إسرائيل"، أو أرض الميعاد، فيما ذات فلسطين، مسيحياً، تدعى بأرض "الديار المقدسة". هذا "المقدس الكثير"، يعني أنّ فلسطين "المقدسة" هذه، كانت من قبل، بلاداً لدينٍ كثيرٍ، عبرتها، على مرّ التاريخ، أقوام وجماعات إثنية كثيرة، كاليبوسيين، والكنعانيين، واليهود، والآشوريين، والبابليين، واليونانيين، والبطالسة المصريين، والسلوقيين السوريين، و"الصليبيين"، وسواهم من الشعوب القديمة والحديثة، البعيدة والقريبة.
أما في التاريخ الحديث، خصوصاً بعد نشاط الحركة الصهيونية في مطلع القرن العشرين، الذي ارتكز على قرارات وتوصيات المؤتمر الصهيوني الأول، المنعقد في 29ـ31 أغسطس 1897، بمدينة بازل السويسرية، بقيادة المفكر النمساوي اليهودي، المجرّي الأصل، تيودور هرتزل(1860ـ1904)، فقد أصبح إسم فلسطين كموطن، مقترناً بشعبين، هما العرب واليهود.
بعد موافقة الحكومة البريطانية، رسمياً، عبر رسالةٍ، سميت بال"وعد"، أرسلها أرثر جيمس بلفور، في 2 نوفمبر 1917، إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، على "إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين"، تحققت هذه الأخيرة، وطناً قومياً ودينياً، لليهود، ودخلت فلسطين من مرحلة "الدين الحلم" إلى مرحلة "السياسة الوعد والوفاء"، لتصبح لاحقاً في 29 نوفمبر من العام 1947، بموافقة 56 من أصل 57 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفقاً للقرار 181، دولتين لشعبين: دولة إسرائيل اليهودية(على مساحة 55%)، ودولة فلسطين العربية(45%).
وعلى الرغم من ارتفاع بعض الأصوات المعارضة في الحركة الصهيونية، آنذاك، كمناحيم بيغن، "ضد قرار التقسيم" هذا، حيث صرح هذا الأخير بعد يوم واحد من إعلان القرار، في 30 نوفمبر 1947، بأن "شرعية التقسيم باطلة، وإن كل فلسطين هي ملك لليهود، وستبقى لهم وحدهم، إلى الأبد"؛ رغم هذه الأصوات المتطرفة، الرافضة، بالقطع، لتقسيم فلسطين إلى دولتين لشعبين، جارين، إلا أنه كان من المعقولية بمكان، وعدئذٍ، أن يحدث هذا، ويتحقق حلم الشعبين، تحت مظلة القرار الأممي، فيما لو لم يركب "العقل العربي المقاوم، المناضل" رأسه، ليعلن المقاومة، تحت شعاراتٍ، من قبيل "قضية فلسطين هي قضية وجود أو لاوجود"؛ و"إما أن نكون كل فلسطين أو لا نكون"؛ و"إما أن تُعاد فلسطين كلها وتكون لنا، أو نرمي إسرائيل وكل يهودها في البحر". "فلسطين الشعار" هذه، بقيادة "العقل العربي المرفوع فوق الشعار"، ضيّعت على الفلسطينيين، خلال ستة عقود من الشعارات الشفوية الفائضة "الفاضية"، أكثر من نصف فلسطين الممنوحة للعرب بقرار أممي سنة 1947. ففلسطين الراهنة، بدويلتيها(دويلة فتح+دويلة حماس)، قائمةٌ الآن على مساحة أقل من 22% من أرض فلسطين التاريخية.
منذ "فلسطين الأمم المتحدة" تلك، المقسومة على فلسطينَين لشعبين،، وفلسطين اليهودية تتقوى، يوماً إثر آخر، وتتحول إلى دولة ديمقراطية، علمانية، ذات سيادة على إسرائيلها، فيما فلسطين العربية، تحولت ولا تزال، إلى أرض أكثر من خراب، لشعب أكثر من محتل، تحت أكثر من احتلال، ومشتتة بين أكثر من أميرٍ للحرب.
وإذا كان العقل العربي الراكب في عمومه، ل"فلسطين الشعار"، ينفخ ليل نهار في زمار جماهيره العريضة، التي تتوعد، في كلام هوائي، "ممتاز"، برمي إسرائيل، "بإذن الله تعالى"، في أقرب بحر، كما يتوعد فقيه الأمة أحمدي نجاد، في كل مناسبة أو بدونها، مذكّراً إياهم ب"جرائم الإحتلال الإسرائيلي"، و"وحشية آلته العسكرية"، و"عنجهيته"، إلا أنه(العقل العربي النافخ في الشعار دائماً وأبداً) ينسى أو يتناسى، في المقابل، ما فعله "الإحتلال العربي" الداخلي(ولا يزال) بفلسطين الداخل، وشعب فلسطين، ومستقبل فلسطين، ومقدسات فلسطين.
فإذا كان الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين، في كونه "احتلالاً سبباً"، قد أدخل الفلسطينيين في أول الإحتلال، وأول القتل، وأول التشرد، وأول الحرمان، وأول الضياع، فإن "الإحتلال العربي" لها، أو ما يمكن تسميته ب"الإحتلال النتيجة"، ممثلاً ب"العقل العربي الشفوي"، من المحيط الشفوي إلى الخليج الشفوي، الراكب للشعارت الشفوية، والدولة العربية الشفوية، والبعث الشفوي، بوحدته وحريته واشتراكيته الشفوية، والإعلام العربي الشفوي بفضائياته، وإذاعاته، وصحفه الأكثر من شفوية، بقيادة شيوخه الشفويين، قد أوصل فلسطين، بأرضها وسمائها، وما بينهما من شعبٍ كان له أن يعيش، كسائر شعوب الأرض، إلى ما هي عليه الآن، هذه الأيام(كما في السابق من تاريخ مقاوماتها الشفوية الكثيرة)، من قتلٍ، ودمٍ مهدورٍ، وتشردٍ، وضياعٍ مستمرٍّ، في دوامةٍ من الفعل ورد الفعل، والقتل والقتل المضاد، لا تظهر لكابوسها أية نهاية قريبة، في الأفق.
العدوان، من أيٍّ كان، ومهما كان، هو دون أدنى أيّ شك، مُدان. وقتل المدنيين العزّل الأبرياء، لا يُبرر، ولا يُعوّض. ولا شك، أن المقاومة مشروعة، في كل زمانٍ ومكان، ولكن ليس كل مقاومة، أو أية مقاومة، كيفما كانت أو شاءت، كما يحلو للعقل العربي "الغوغائي" صناعتها، شفهياً، حتى لو كانت النتيجة، تدميراً للذات أو محواً لها، كما هو حاصل اليوم، في معظم "المقاومات العربية"، المشتعلة، من المحيط إلى الخليج، والتي "تفخخ" الذات العربية، لقتل الدنيا وما حواليها من حيوات، أملاً بالفوز بماورائها، من جناتٍ عسليات، وحوريات.
بفضل الشيوخ الشفويين المنظّرين لهذه "المقاومات" المصكوكات "سماوياً"، والمصبوبات في "نصوصٍ مقدسة"، هي من السماء إلى السماء، أضاع "العرب المقاومون الأشاوس"، اوطاناً تمشي على الأرض، ركضاً وراء أوطانٍ بديلةٍ، تمشي في جناتٍ، تجري من تحتها أنهارٌ من العسل، يسرحن ويمرحن فيها الحوريات الغانيات!
هذه المقاومات الشفوية، "السماوية"، هي التي أضاعت لبنان، وطيّرتها في "انتصارتٍ إلهية" بقيادة "سيدها الإلهي"، وأضاعت العراق وشرذمته وقطّعته، في حرب "المفخخات المقدسة"، بمشيخة "الأمراء القاعديين المقدسين"، مثلما أضاعت فلسطين من قبل، ولاتزال، في حرب "الإخوة الأعداء"، وحرب "كتائبها المقدسة"، التي قسّمت فلسطين إلى فلسطينَين، وشعبها العربي، إلى شعبين بعاصمتين وقيادتين، والحبل لايزال على الجرار.
فلسطين، تُقتل هناك، فيما شيخ المقاومة الشفوية، خالد مشعل، يطلق من دمشق الشفوية، كلامه الشفوي المعتاد، عن "سلاحه الشفوي العظيم"، الذي "لم تخسره حركته إلا القليل القليل"، حسب زعمه اليوم!فلسطين، تُذبح هناك، فيما السيد الشفوي، صاحب "النصر الإلهي" الشفوي، حسن نصرالله، يطالب جماهيره العربية الشفوية، من لبنانه، بالوقوف مع غزة، والإنقلاب على حكامها!
فلسطين، تعيش تحت نارٍ، أراد لها بشار الأسد، راعي "حروب الجيوب" في فلسطين ولبنان والعراق، والمستضيف ل"رأس المقاومة"، أن تكون فكانت، ومع هذا، طلع على جماهيره العربية، ك"حمامة سلام"، مطالباً، كعادته الشفوية، "الجامعة العربية" و"الأمم المتحدة"، ب"التحرك الفوري لوقف العدوان على غزة"! فلسطين في غزة، تُقصف بطائرات إسرائيلية تنطلق بعضها من الأراضي التركية، وبخبرات مدعومة تركياً، حسبما أفاد الخبير في شئون الشرق الأوسط د. هالوك كَركَر، مؤخراً، فيما أردوغان وحزبه الإسلامي، "العادل جداً"، يبكي من أنقرة على شعب غزة، ويتدخل ل"وقف الحرب" بين إسرائيل وحماس!
فلسطين، تُقصف بالبوارج الحربية، وطائرات ف16، ومروحيات أباتشي، فيما حماس وشيوخها يهددون إسرائيل، ب"فتاشاتهم"، التي تسقط في الغالب، على أهداف شفوية، دون أية خسائر لا مادية ولا معنوية، إلا نادراً جداً!
الشعب الإسرائيلي، حمل فلسطينه اليهودية، من بلاد الشتات، وأسس فيها من "لاشيء" إسرائيله "الموعودة"، لتصبح خلال ستة عقودٍ من الزمان "اليهودي" فقط، واحدة من أقوى الدول في المنطقة، وأكثرها حريةً وديمقراطيةً، فيما الشعوب العربية، أو ما يحلو للعقل العربي "الوحدوي"، اختزالها في الواحد، وتسميتها ب"الشعب العربي الواحد الأحد"، أضاعوا فلسطين في شعاراتهم الهوائية، الرنانة، وصلواتهم وتكبيراتهم الشفوية، تماماً مثلما أضاعت ذات الشعوب، في "فلسطين الشعار"، أوطانها نفسها، المختزلة عملياً، في الحاكم الأوحد، الذي بات يساوي كل الشعب، وكل الوطن، وما فوقه وتحته.
والحاصل، إذا كان الإحتلال الإسرائيلي، أو "الإحتلال السبب"، قد ضيّع على الفلسطينيين بعضاً من فلسطينهم، فإنّ "الإحتلال العربي" أو "الإحتلال النتيجة"، الممثل ب"العقل العربي الغوغائي"، فيما لو استمر على "خط المقاومة" الشفوية هذه، سيضيّع على الفلسطينيين كل فلسطينهم، كما نرى اليوم في إمارة غزة الحمساوية، التي يمكن تسميتها ب"دولة فلسطين الشفوية"، بإمتياز، المشتعلة في شفاه الجماهير العربية الشفوية، من المحيط الشفوي إلى الخليج الشفوي.
هوشنك بروكا

الأربعاء - 31/12/2008
ختان الإناث مستمر في إقليم كردستان


اقليم كوردستان- العراق

جهشت شيلان انور عمر ذات السبعة أعوام بالبكاء عندما اغلقت والدتها الباب خلفها وامرتها بخلع ملابسها الداخلية، بينما حملت امرأة أخرى في يدها شفرة حادة استعدادا لبدء "الحفلة".

واخذت اوصال شيلان ترتعد عندما ادركت ان الحفلة التي وعدتها والدتها بها لن تقام وقادها حدسها الطفولي الى ان ألما فظيعا سيتملكها.

صرخت الطفلة بصوت ضج الحي بأصدائه بعد ان قطعت القابلة جزءا من عضوها التناسلي ثم حملتها أمها بابتسامة فخر.

وقالت الأم، أيشا حميد (30 عاما) "اعتدنا على هذه الممارسة منذ زمن بعيد"، واضافت من بلدتها طوز خورماتو التي تبعد 170 كيلومترا عن العاصمة بغداد "لا نعلم لماذا نفعل ذلك، لكننا لن نتوقف عن القيام به، لأنه من تعاليم الاسلام والمجتمع".

وتعتبر كردستان المنطقة الوحيدة في العراق واحدى المناطق القليلة في العالم التي ينتشر فيها ختان الفتيات على نطاق واسع، اذ ان 60 بالمائة من النساء في المدن والبلدات الكردية في شمال العراق تعرضن للختان.

واصدر العديد من رجال الدين في العالم الاسلامي فتاوى تحظر ختان الفتيات وتعتبره منافيا للشريعة الاسلامية.

وتسلط ممارسة الختان الضوء على هذه المعضلة التي يمر بها الاقليم الكردي الذي ينظر اليه على انه متطور اجتماعيا اكثر من بقية انحاء العراق.

ويشير نشطاء حقوقيون الى تصاعد ارتكاب جرائم الشرف ضد النساء، ما يشكل دليلا اضافيا على ان المرأة الكردية تعاني الامرين، رغم حملات التوعية لمواجهة الختان والعنف ضد المرأة.

وتحاول باكشان زنغانا، رئيسة لجنة المرأة في البرلمان الكردي الضغط لاستصدار قانون يفرض عقوبة السجن عشر سنوات لكل من يمارس ختان الاناث او يقدم تسهيلات للقيام به.

لكن يوسف محمد عزيز، وزير حقوق الانسان في الاقليم يرى ان الامر لا يستحق التدخل من قبل البرلمان قائلا "لا ينبغي سن تشريع لكل مشكلة صغيرة تظهر في المجتمع".

وتندر ممارسة ختان الفتيات في المناطق العربية من العراق، حسب منظمات نسائية. وتقول هذه المنظمات انها تجهل السبب وراء انتشار هذه الظاهرة، الشائعة في اجزاء من افريقيا والشرق الاوسط، في الاقليم الكردي دون باقي مناطق العراق.

ولا يشارك الرجال في عملية ختان الفتيات بل يعطون الموافقةعلى ذلك، مثلما حصل مع والدة شيلان التي استأذنت والد الطفلة للقيام بذلك.

ويبرر الاكراد المؤيدون لختان الاناث ضرورة هذه الممارسة لسببين: الاول، انها تكبح الرغبات الجنسية للنساء، والثاني انها تعمل على تطهير المرأة روحيا ليتسنى للاخرين تناول الطعام الذي تعده بأريحية.
*نقلا عن واشنطن بوست





(20)


اليوم: السبت التاريخ: 03/01/2009
السبت - 03/01/2009
للكاتب والصحفي كويل لورنس
"الأمة المخفية"... كتاب جديد عن الأكراد في المكتبات الأمريكية




نيويورك - خاص الكردية نيوز – سيروان قجو
صُدر مؤخراً في مدينة نيويورك الأمريكية، كتاب جديد يحمل عنوان " الأمة المخفيّة " للصحفي و الكاتب الأمريكي الشاب " كويل لورنس ".
الكتاب هو ثمرة عمل وجهد استمرا فترة سبعة سنوات قضاها الكاتب في العراق وكوردستان قبل دخول القوات الأمريكية و أثناء تواجدها أيضاً، حيث أنه كان يعمل هناك كمراسلاً لإذاعة ( بي بي سي ) البريطانية وكذلك صحيفة " لوس أنجلوس تايمز " الأمريكية.
تاريخ الكورد
يتحدث الكاتب في أولى فصول كتابه، عن الشعب الكوردي في العراق، سوريا، تركيا و إيران وذلك بشكلٍ سلس و جذّاب. حيث يقوم بسرد مطول لتاريخ لهذا الشعب العريق وبداياته وحضاراته المتتالية، بدءً من الدولة الميتانية و الأمبراطورية الميدية ومروراً بالقائد الكوردي صلاح الدين الأيوبي ثم الكورد في العهود الأسلامية الأخرى و كذلك في عهد الامبراطورية العثمانية ومن بعدها دول الاستعمار الأوربي، وصولاً إلى العهد الحديث. ويختتم الكاتب هذا الفصل بجملة شهيرة ومعهودة لدى الجميع من الكورد وغير الكورد، حيث يقول : " الكورد هم أكبر شعب على وجه الأرض لا يملكون وطناً مستقلاً ".
التجربة في العراق
وفي بداية الفصل الثاني من الكتاب، يتحدث " لورنس " عن الأيام الأولى التي قضاها في العراق ومن ثم في إقليم كوردستان الذي سحره بطبيعته الخلابة والقريبة من الطبيعة الأوربية، على حد قوله.
ثم يضيف بعض الأحداث التي جرت من خلال يومياته الصعبة التي قضاها في ذلك البلد الغريب!، ومن بعدها يصف بإسهاب التحولات السياسية التي حدثت بعد سقوط الرئيس العراقي السابق صدام حسين بشكلٍ نهائي و وصول جلال طالباني إلى رئاسة الجمهورية العراقية. يقول " لورنس " في ذلك : " لعل وصول السيد جلال الطالباني إلى سدة الرئاسة ، هو انجاز تاريخي للشعب الكوردي ليس في العراق فحسب، وإنما في تركيا وسوريا إيران أيضاً. وهو في الوقت نفسه إنجاز شخصي لـ " مام جلال " الذي أثبت للعالم أن سنوات حمل البندقية و الكفاح في جبال كوردستان قد أتت بنتيجتها " .
ويقول في موضوع آخر: " عندما زار الرئيس طالباني البيت الأبيض لأول مرة و وقوفه إلى جانب الرئيس جورج بوش، كان حدثاً كبيراً فهو أول كوردي و أول رئيس جمهورية ديمقراطي للعراق، وكان ردّه باللغة الكوردية على سؤالٍ لمراسل إذاعة صوت أمريكا.. ! أمراً أعتبره الكورد، شيئاً رائعاً بالنسبة للغتهم الأم التي تعرضت للقمع و المحو على مرّ العصور."
الإتصال المباشر مع المسؤولين
الشيء الأكثر تميزاً في هذا الكتاب، هو اسلوبه الرائع الذي يمزج بين الرواية و التحليل السياسي. و هذا ما نادراً نراه ونلاحظه في الكتب السياسية، التي تتصف عادةً بالرتابة و الملل.
وقد أستفاد المؤلف من تواجده في كوردستان العراق، حيث كان على اتصال مباشر مع القيادات الكوردية بحكم عمله الصحفي. لذا عقد العديد من العلاقات الهامة مع شخصيات مهمة على الساحة الكوردية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : نيجرفان بارزاني رئيس حكومة الاقليم، كوسرت رسول عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني الكوردستاني و عدد آخر من السياسيين البارزين.
مستقبل كردستان
من ناحية أخرى، يسلط الكاتب الضوء على مستقبل إقليم كوردستان مع العراق وعلاقاته مع دول الجوار، وخصوصاً تركيا التي يراها الخطر الأقوى الذي يواجه كورد العراق وتجربتهم الفيدرالية. حيث يعتبر تدخل تركيا في مدينة كركوك، إحدى هذه الأخطار بالإضافة إلى مسألة حزب العمال الكوردستاني التي أرّقت تركيا منذ زمن.
الكتاب طبعاً باللغة الإنكليزية وهو موجه بالدرجة الأولى للشعب الأمريكي و الناطقين باللغة الانكليزية، لكن سيكون شئياً رائعاً لو تم ترجمته إلى اللغات الكوردية، العربية، الفارسية و التركية.. لمَ يحمله من أحداث وحقائق هامة تتعلق بالشعب الكوردي والسياسات الأخرى في الشرق الأوسط.
نبذة عن المؤلف
كويل لوزنز، صحفي أمريكي في العقد الثالث من عمره. قضى سبعة سنوات في العراق وبشكلٍ أكثر في إقليم كوردستان، وقبلها عاش في عدة دول أخرى مثل كولومبيا و السودان.
عمل للكثير من وسائل الإعلام المسموع و المقروء مثل إذاعة بي بي سي، جريدة لوس آنجلوس تايمز، صحيفة كريستيان ساينس مونيتور و غيرها.
حاز على عدة جوائز بخصوص تقاريره المتعلقة بالحرب في العراق، كولومبيا و السودان. وهذا الكتاب هو الأول له.
كم نحن بحاجة الى مثل هذه الكتب .. ابو حيدر ..عندما يسلط الضوء على تاريخنا وعلى حياتنا ككرد يصبح من الاسهل لقضيتنا ان تصل الى المحافل الدولية والى شعوب العالم كي يتفهموا الامنا وآمالنا .. العالم قد بات قرية صغيرة بفضل الانفتاح الاعلامي ولابد لنا من ان نصبح جزءا من هذه القرية بكل السبل من كتب وقنوات اعلامية وغيرها حتى نحقق ما نريد . ( شكرا من القلب يا كويل )..
نعلم ذلك الكردي الحقيقينعم نحن نعلم بوجود شخصيات غير كوردية مهتمة بالقضية الكوردية وبالشعب الكردي ولاكن الموسف يوجد شخصيا وعوائل مايسمون انفسهم بالمسؤلين في هذا الشعب المظلوم لايهتمون بشعبهم وانما اهتمامتهم بالبنوك وجيوبهم كيف يملؤنها على حساب الشعب ولحسابهم الخاص تب وتب لهم الى اين ماضون
أضف تعليق على المقالة
الإسم
عنوان التعليق:
نص التعليق:
function sendarticles()
{
var yname=Trim($("yname").value)
var yemail=Trim($("yemail").value)
var fname=Trim($("fname").value)
var femail=Trim($("femail").value)
var links=document.URL;
var msg='';
if (yname=='')
msg='أدخل اسمك.';
if (! validate_email(yemail))
msg +='ب أدخل بريدك الإلكتروني بشكل صحيح.';
if (fname=='')
msg +='أدخل اسم صديقك.';
if (!validate_email(femail))
msg +='أدخل بريد الإلكتروني لصديقك بشكل صحيح.';
if (msg !='')
Message('أدخل الحقول التالية:'+msg)
else
{
var parmaters='yname='+$ES(yname)+'&yemail='+$ES(yemail)+'&fname='+$ES(fname)+'&femail='+$ES(femail)+'&links='+$ES(links)+'';
this.Links=xmllinks+'flag_no=5&articles_no='+FeedBack.articles_no+'&'+parmaters;
funload=sitemessage;
funexecute=SendArticles_Status;

execute_ajax(this.Links);

}
}
function SendArticles_Status()
{
$("yname").value='';
$("yemail").value='';
$("fname").value='';
$("femail").value=''
hs('sendarticles','none',0);
Message('تم إرسال المقالة بنجاح')
}
أرسل المقال إلى صديق

الاسم
البريد
اسم الصديق
بريد الصديق

var siteurl='http://alkurdiyanews.com/'
var gaJsHost = (("https:" == document.location.protocol) ? "https://ssl." : "http://www.");
document.write(unescape("%3Cscript src='" + gaJsHost + "google-analytics.com/ga.js' type='text/javascript'%3E%3C/script%3E"));
var pageTracker = _gat._getTracker("UA-6506226-1");
pageTracker._trackPageview();
رسالة الموقع
(سوف يتم اغلاق النافذة بين 2 ثانية)
$('aspnetForm').action=document.URL
function Dosearch()
{
this.content=Trim($('headline').value)
if (this.content.length

حملات الانفال و أسماء الأكراد المتورطين فيها
2008-12-31

حملات الانفال و أسماء الأكراد المتورطين فيها مهدي مجيد عبدالله قبل الولوج في صلب الموضوع ارتئيت ان اوضح ماهية الانفال و حملاتها التي قام بها النظام البعثي البائد في ثمانينيات القرن العشرين، بغية اطلاع القراء الاعزاء الذين لم يسمعوا بهذه المجزرة او سمعوا بها لكن لا يعرفون تفاصيلها ، و السطور الاتية توضح لنا باختصار غير مخل و اسهاب غير ممل ماهية الانفال و حملاتها ومن قام بها و اسماء الاكراد المتورطين فيها .قبل الولوج في صلب الموضوع ارتئيت ان اوضح ماهية الانفال و حملاتها التي قام بها النظام البعثي البائد في ثمانينيات القرن العشرين، بغية اطلاع القراء الاعزاء الذين لم يسمعوا بهذه المجزرة او سمعوا بها لكن لا يعرفون تفاصيلها ، و السطور الاتية توضح لنا باختصار غير مخل و اسهاب غير ممل ماهية الانفال و حملاتها ومن قام بها و اسماء الاكراد المتورطين فيها . مفهوم الانفال هي الكلمة المسروقة من كتاب الله وتم أستغلالها لأرتكاب أبشع الجرائم ضد الأنسانية وتعني (غنائم الغزو) وذلك عندما أطلق طاغية العراق صدام حسين عنان أجهزته الحزبية والأمنية المختلفة من القوات المسلحة العراقية للأبادة الجماعية ، والتي أستهدفت أبناء الشعب الكوردي ،و ذهب ضحيتها 182 الف أنسان كوردي برئ (اختار صدام هذا الاسم(الانفال) لتشجيع قواته وتبرير شراسته و لتذكير جنوده بالغنائم و بالاستيلاء على الممتلكات والتي تؤول اليهم مجانا بقرار من صدام شخصيا ) . هدف حملات الانفال ، افراغ القرى والقصبات والمدن الكوردستانية من جميع سكانها في محاولة للقضاء على جذور ومقومات المجتمع الكوردي، ومسح هويته وتراثه الحضاري المتجذر في عمق التأريخ ، وأنهاء مظاهر الحياة في المنطقة وتذويب هذه القومية في بوتقة الافكار الشوفينية العربية. حملات الانفال قام مرصد الشرق الاوسط بدراسة 40% من الوثائق التي أستولت عليها الاحزاب الكردية من المكاتب الحكومية في كردستان العراق عقب أنتفاضة أذار عام 1991 و وفقا لهذه الدراسة فقد بدأت عمليات الابادة ضد الاكراد على عدة حملات. الحملة الاولى حملة الانفال الاولى بتأريخ 23 شباط 1988،وذلك بشن عدة هجمات في وادي (جفاتي ) في محافظة السليمانية ، و قد حققت هذه الحملة أهدافها المحددة لها يوم 19 أذار بسقوط أخر قاعدة للمقاومة الكردية في قرية (بير غالو) ) ودمرت في هذه الحملة معظم قوات المقاومة الكردية مما اجبر بقية القوات على الهروب بأتجاه ايران ، و لم يأسر في هذه العملية الا القليل. الحملة الثانية . يوم 23 أذار بدأت الحملة الثانية للانفال ، عندما شنت القوات الحكومية عدة هجمات بالاسلحة الكيمياوية على عدة قرى ، و تم خلال هذه الحملة أختفاء اعداد كبيرة من الشباب و تم نقل بعض العوائل الى مخيمات الاعتقال في الصحراء جنوب العراق و سجن ( نقرة السلمان ) ، و قد أنتهت هذه الحملة في الاول من نيسان عام 1988 . الحملة الثالثة في 7 نيسان بدأت حملة الانفال الثالثة في سهل ( جرمي ) حيث شنت القوات الحكومية هجوما كبيرا أستخدمت فيه جميع انواع الاسلحة بما فيها الطيران ، و لم تواجه قوات الحكومة مقاومة شديدة بسبب شدة الهجوم ، و قد أنتهت هذه الحملة يوم 30 نيسان بعد ان دمرت جميع القرى في المنطقة و قد تم أختفاء عدد كبير من العوائل ( تبين بعد سقوط النظام ان هؤلاء قد دفنوا احياء في مقابر جماعية في السماوة و الناصرية ...) . الحملة الرابعة يوم 2 أيار بدأت عملية حملة الانفال الرابعة بشن هجوم عنيف بالاسلحة الكيمياوية بواسطة سلاح الطيران و قد قتل في هذا الهجوم عدد كبير من المدنيين و نفذت عمليات أعدام جماعية بحق المقاتلين و المدنيين من اطفال و نساء ... في 8 أيار دمرت جميع المستوطنات السكانية في منطقة العمليات الحربية. و من 15 أيار الى 28 أب بدأت حملات الانفال الخامسة و السادسة و السابعة ، عندما شنت هجمات واسعة لقوات الحكومة على وادي (شقلاوة) و ( راوندوز ) و قد أستخدمت في هذه الهجمات الاسلحة الكيمياوية و قد قتل و أسر و أختفى الاف من الاكراد و نقل بعضهم الى معسكرات الاعتقال. يوم 25 أب نفذت حملة الانفال الثامنة و الاخيرة في منطقة ( باديان ) بشن هجمات بالاسلحة الكيمياوية على عدة قرى و بعد هذه الهجمات العنيفة فر السكان الى الجبال المحيطة بالمنطقة ، و قتل و جرح في هذه الهجمات ألاف من الاكراد . يوم 6 يلول أنتهت حملات الانفال سيئة الصيت و التي شكلت وصمة عار في جبين حكم صدام حسين البائد وقد أستمرت أكثر من ستة أشهر ( من23 شباط الى 6 أيلول ) وذهب ضحيتها 182 الف مواطن كوردي برئ ، وأحرقت ألاف القرى وسويت مع الأرض ، وردم مصادر ينابيع المياه وغلقها بواسطة الكونكريت ، وتم بيع الاطفال و الفتيات الاكراد الناجين لبعض الدول العربية المشاركة في الجريمة ، وسبب أستهدافهم وقتلهم كونهم ينتمون الى القومية الكوردية . من قام بعمليات الانفال قام بتنفيذ تلك الحملة قوات الفيلقين الأول والخامس في كركوك وأربيل ، مع قوات منتخبة من الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والمغاوير، هذا بالإضافة إلى قوات الجيش الشعبي ، وأفواج ما يسمى بالدفاع الوطني التي شكلها النظام من الاكراد لمحاربة أبناء جلدتهم. وقد استخدمت القوات العراقية مختلف أنواع الأسلحة التي حصلت عليها خلال الحرب العراقية الإيرانية ضمت الدبابات والمدفعية الثقيلة والطائرات الحربية والطائرات السمتية ، والأسلحة الكيماوية الفتاكة . و الاسماء الاتية عبارة عن اسماء الاكراد الجحوش المرتزقة (حسب تسمية الشعب الكردي لهم)الذين كانت لهم يد في عمليات الانفال حيث دمروا وهدموا وهتكوا اعراض الكورديات من بنات جلدتهم مقابل كلمة واحدة الا وهي ( عفيه) من قائدهم البعثي العفلقي المقبورصدام ومسؤولهم الاول عن القاطع الشمالي في عمليات الانفال المجرم علي حسن المجيد( الكيماوي) ، وقد تم اصدار امر القاء القبض عليهم من قبل المحكمة العراقية العليا للجرائم، وعسى ان يكون نشر هذه الاسماء خطوة اولية لتجرع كل ظالم قيح ظلمه . وان يستسقي العبرة كل من يرنو الى سلك طريق الغي و الظلم و العدوان :- الاسماء 1 - ابراهيم نصر الله . 2 - احمد بيجو. 3 - احمد جبار الجباري. 4 - ارشد احمد الزيباري. 5- اسعد جهانكير الهركي . 6 - اسماعيل عزيز اغا زنكنه . 7- اسماعيل محمود رسول اغا البشدري . 8 - المستشار بابكر وسو محمد رئيس فوج (112) . 9 - المستشار جمال خدر خالد دوبرداني رئيس فوج (110) . 10 - المستشار جمال الفقي حسين رئيس فوج (97). 11 - المستشار خليل عبد الله ابراهيم شرفاني رئيس فوج (109 ). 12 - المستشار سليم مهند رسول اغا رئيس فوج (98 ) . 13 - المستشار سواره فتاح جاف رئيس فوج (239 ). 14 - شريف محمود معروف رئيس فوج (136). 15 - المستشار شيخ مجيد بايز حسن رئيس فوج (61 ). 16 - المستشار صابر احمد رقيب محمد سورجي رئيس فوج (2 ). 17 - عباس بايز بالو اغا رئيس فوج (91 ). 18 - عباس حاجي اغا رئيس فوج (66 ). 19 - عثمان عبد الرحمن فتح الله ، رئيس فوج (165). 20 - المستشار عمر احمد علي ، رئيس فوج (171). 21 - المستشار عمر بابكر سليم ، رئيس فوج (114) . 22 - فخري اسماعيل عبد القادر رئيس فوج (133). 23 - قادر شفيق نعمان رئيس فوج (63 ) . 24 - قاسم فارس طاهر مصطفى اغا ، رئيس فوج (85 ) . 25 - المستشار لطيف احمد محمد زيباري رئيس فوج (1). 26 - مامند حمد مولود رئيس فوج (51 ). 27 - محمد طاهر يونس محمد رينكاوي رئيس فوج (107 ). 28 - محمد علي رسول رئيس فوج (148). 29 - محمود حمد رسول اغا رئيس فوج (26 ). 30 - نوزاد انور بيتواته رئيس فوج (4). 31 – العم يحيى الكويي رئيس فوج (86) . 32 - ميرزا اسماعيل شريف رضا رئيس فوج (207 ). 33 - حسين محمد عثمان رئيس فوج (175 ). 34 - الملازم فرهاد مامند حمد رئيس فوج (51). 35 - النقيب عبد الله حسن صالح رئيس فوج (151). 36 - انور محمد رضا محمود جاف . 37 - برهان شوانى . 38 - بكر علي حاجي مشير. 39 - بكر كريم غفور . 40 - توفيق جبار قارمان . 41 - جاسم محمد زيباري . 42 - جبار شيخ هادي . 43 - جبار موسى قره هنجيري (جهاد ). 44 - جعفر عبد الكريم برزنجي . 45 - جمال حسين طوزي . 46 - جوهر محئ جهانكير هركي . 47 - جيا سورجي . 48 - حجاج عبد الغفور خالد دوبرداني . 49 - حسن محمود بك هورامي . 50 - حسيب محمد نجم جباري . 51 - حمد امين حمه شاسوار مختاري قرية (كاني ميل ). 52 - حمزة عبد الله مامند ئاكو . 53 - حمه حاجي حسين . 54 - خالد محمود احمد غواره . 55 - خدر فتاح حسين كاميش . 56 - رسول مامند قير دولي . 57 - زيد سورجي . 58 - سعيد عدنان جباري . 59 - سعيد محي الدين احمد زنكنه . 60 - سيد رضا سيد طه ( السيد بقرة ). 61 - سيد مجنون . 62- شامل درويش . 63 - شريف حمه شريف (شف الهانم ). 64 - شريف محمد كرداوي . 65 - شهاب احمد الوايرمن . 66 - شيخ احمد البرزنجي . 67 - شيخ برهان مدير ناحية زراين . 68 - شيخ جلال ساله يي . 69 - شيخ روناك . 70 - شيخ سعاد طالباني . 71 - شيخ صلاح نقشبندي . 72 - شيخ كريم شيخ شهاب . 73 - شيرزاد علي به له كه . 74 - طارق شفيع كا فرؤش . 75 - طارق عزيز رضا اغا . 76 - عاصف احمد زيباري . 77 - عاصي حمه ديزه (استخبارات) . 78 - عبد الكريم محمد سليم ششي زيباري . 79 - عبد الله كاك امير ( عه به كركوكي ). 80 - عبد الله حسن صالح بابان . 81 - عبد المجيد حسين اسماعيل شيخكي . 82 - عدنان عبد الله نجم جاف . 83 - عزيز حسن فتاح . 84 - علي حسن عزيز( قائم مقام جمجمال و عضو فرع حزب البعث ). 85 - علي لوت ماسي . 86 - عمر حاجي بادينان . 87 - عمر الحاج صالح . 88 - عمر حمه رستم . 89 - عمر خضر حمد سورجي . 90 - فؤاد كريم بايز هموند . 91 - فارس محمد قادر سورجي . 92 - قاسم رشيد دره يي . 93 - كامران احمد (كامران الاحمر) موجود حاليا في ايران . 94 - كامل شيخ هادي . 95 - كمال حمه مام سوراني . 96 - كمال محمد حيدر ( كمال شمسه ). 97 - محمد جوهر كوران . 98 - محمد شيخ عبد الكريم برزنجي . 99 - محمد قادر اغا سورجي . 100 - محمد كريم شوشي زيباري . 101 - محمد كلح ريكاني . 102 - محي الدين حمه رحيم . 103 - مدحت تو فيق داودي . 104 - الملا حسين روغزايي (استخبارات ). 105 - الملا عزير . 106 - نامق رقيب سورجي . 107 - نامق عبد الكريم مختاري ( قرية بيباز ). 108 - عبد الرحمن عبد الكريم . 109 - يحيى جاف ( محافظ اربيل ). 110 - عميد فتاح بك جاف رئيس فوج (35). 111 - رائد صباح ناظم رقيب سورجي قائد الفوج الثاني للدفاع الوطني . 112 - ظاهر اغا كويي . 113 - عدنان ديسكو . 114 - طارق كاكه يي . 115 - سعيد غيدان ( حمه سعيد ). 116 - مجيد غيدان . 117 - شمال رفعت كلي قائد سرية الجحوش . 118 - حمه كريم حمه فرج (مختار قرية سيتلان ). 119 - مصطفى سليمان وزه قائد سرية الجحوش . 120 - عمر حمه علي جه رمه كا رئيس جحوش . 121 - جبار الطويل ( مفرزة خاصة ). 122 - صابر سورجي . 123 - مامند قشقه . 124 - علي سلمة جوارتايى ( مفرزة خاصة ). 125 - حاج علي نه بياوا ( مفرزة خاصة ). 126 - العقيد حميد عثمان رئيس الفوج (300 ). 127 - انور حسو (مفرزة خاصة ). 128 - سيد قدرة . 129 - محمد كاواني ( مفرزة خاصة ). 130 - حمه بوخجي قائد جحوش متواجد حاليا في الدانمارك . 131 - ابراهيم بالو اغا رئيس جحوش . 132 - عمر صوفي ( مفرزة خاصة ). 133 - عمر حسين ( عمر عرب ) مفرزة خاصة . 134 - قاله ى عه زه نالبه ند . 135 - صلاح الازرق (مفرزة خاصة ). 136 - ميرزا حسن ( رئيس جحوش ). 137 - محمد حسين نوري (مفرزة خاصة ). 138 - عمر اغا ( رئيس جحوش ). 139 - حسين حمه اغا سورجي . 140 - اوات احمد حسن ره ش رئيس فوج (266). 141 - احمد جميل امين ، رئيس فوج (240). 142 - احمد صوفي اسماعيل صالح ، رئيس فوج (356). 143 - احمد كويخا رجب ، رئيس فوج (90). 144 - اسعد سليم حاجي اغا ، رئيس فوج (302). 145 - انور رشيد خضر ميران رئيس فوج (52). 146 - انور ميرزا ابراهيم كلي رئيس فوج (209). 147 - ابراهيم احمد ابراهيم منتك رئيس فوج (22 ). 148 - ابوبكر فقيه صالح . 149 - بايز عزيز باوه جان ، رئيس فوج (213) و قد استلم مدالية الشجاعة. 150 - بهرام محمد عبد الرحمن محمد ، رئيس فوج (11). 151 - برهان توفيق بابكرهورامي رئيس فوج (238). 152 - توفيق حمه فرج حمه رستم ، رئيس فوج (70). 153 - توفيق سليمان ياسين برواري رئيس فوج (113). 154 - طارق سعيد ابراهيم مزوري رئيس فوج (190). 155 - طيب محمد عثمان (شيخ طيب) رئيس فوج (203). 156 - جاسم محمد فارس محمد رئيس فوج (225). 157 - جرجيس حميد حيدر، رئيس فوج (156). 158 - جلال اسعد رضا جه رمه كايي ، رئيس فوج (79 ). 159 - جلال محمد عبد الرحمن هلالي رئيس فوج (198). 160 - جلال محمود صالح برادوستي رئيس فوج (232 ). 161 - جمال نصر الدين عزيز، رئيس فوج (357). 162 - جميل كريم مجيد . 163 - جعفر انور سليمان رئيس فوج (305). 164 - حسين جهانكير جادر مزوري رئيس فوج (9). 165 - حسين حمه فتاح قادر ، رئيس فوج (120). 166 - حسين خدر حمد ، رئيس فوج (6). 167 - حلمي سعيد قادر محمد جاف ، رئيس فوج (199). 168 - حمود صالح تاج الدين ميزني ، رئيس فوج (71). 169 - خالد قاسم محمد امين ، رئيس فوج (270). 170 - خالد شيخو مراد ، رئيس فوج (226). 171 - خضر عبد الله حسين ، رئيس فوج (210). 172 - خورشيد اسعد رسول ، رئيس فوج (253). 173 - رحيم كريم قادر ، رئيس فوج (244 ). 174 - دلسوز خدر مينه بلباس ،رئيس فوج (235). 175 - رشيد صالح رشيد اتروشي ، رئيس فوج (227 ). 176 - زاهر طاهر توفيق ، رئيس فوج (150). 177 - سمكو عبدى حسن زدكي ، رئيس فوج (54). 178 - شكر جندي عنترمزوري ، رئيس فوج (272). 179 - صادق زيرو امين ، رئيس فوج (36). 180 - صالح احمد اسماعيل ، رئيس فوج (255). 181 - صباح اسماعيل خضر ، رئيس فوج (351). 182 - صديق علي محمد امين هاروني ،رئيس فوج (245). 183 - صلاح الدين خضر رسول ، رئيس فوج (241). 184 - عدنان توفيق رشيد ، رئيس فوج (206). 185 - عبدالرحمن عاصي عز الدين ، رئيس فوج (322). 186 - عبدالقادر مصطفى محمد ، رئيس فوج (182). 187 - عبد الكريم حسين خالد ، رئيس فوج (346) 188 - عبد الله فيصل عبدالله ماواني ، رئيس فوج (333) 189 - عبد الكريم سعدي سليمان سعدي ، رئيس فوج (285). 190 - عدنان عبد الله احمد جباره ، رئيس فوج (231). 191 - عارب صالح عمرقادر ، رئيس فوج (218). 192 - علاء محمد امين عيسى ، رئيس فوج (306). 193 - علي احمد حاجي شعبان ،رئيس فوج (93). 194 - علي سليمان حسين ، رئيس فوج (224). 195 - علي عبوش عبدي غزالة ، رئيس فوج (59). 196 - عوني حاجي مصطفى جبرائيل ، رئيس فوج (103). 197 - علي احمد محمد هاروني ، رئيس فوج (197). 198 - علي ال رحمن حسن ، رئيس فوج (168). 199 - عمر مراد خان جليلة ، رئيس فوج (116). 200 - عمر محمد حيدر ، رئيس فوج (246). 201 - عمر بشار صالح ، رئيس فوج (152). 202 - عمر حسن رسول كه ردي ،رئيس فوج (28). 203 - عصمت دينو سندي ، رئيس فوج (157). 204 - غياس توفيق سليمان ياسين ، رئيس فوج (113). 205 - فاتح طاهر مصطفى عبد القادر ، رئيس فوج (354) . 206 - فاروق رشيد علي محمد نورولي ، رئيس فوج (196). 207 - فاضل مصطفى حسن برواري ، رئيس فوج (208). 208 - فرهاد مامند حمد مولود ، رئيس فوج (35). 209 - قادر محمود خليفة عبد الصمد ، رئيس فوج (31). 210 - قادر محمد رشيد عبد القادر ، رئيس فوج (252). 211 - قاسم كريم احمد محمود ، رئيس فوج (237). 212 - مجيد سليمان احمد جاف ، رئيس فوج (364). 213 - كريم خان محمود خليفة ، رئيس فوج (40). 214 - مجيد شيخ بايز حسن ، رئيس فوج (61). 215 - محمد جوهر اسماعيل صالح ، رئيس فوج (108). 216 - محمد شيخ معروف بير داود ، رئيس فوج (49). 217 - محسن محمد ياسين ، رئيس فوج (155). 218 - محمد طاهر حمه رشيد ،رئيس فوج (254). 219 - محمد حمه امين حسين زراري ، رئيس فوج (216). 220 - محمد سعيد محمود شميراني ، رئيس فوج (118). 221 - محمد عمر جميل امين (باساكي) ، رئيس فوج (81). 222 - محمد نجيب صادق بهاء الدين ، رئيس فوج (119). 223 - محمد حمزة زازله يي ، رئيس فوج (204). 224 - محمود احمد شريف غواره ، رئيس فوج (122). 225 - محمود حسين محمود علي ، رئيس فوج (356). 226 - محي الدين عزيز محمد بابا ، رئيس فوج (242). 227 - مشير ابراهيم احمد ، رئيس فوج (46). 228 - مشير هادي حمد ، رئيس فوج (48). 229 - نجم الدين صالح برزنجي ، رئيس فوج (174). 230 - نوري حسن مراد برزنجي ، رئيس فوج (111). 231 - هه لكورد عبد الكريم كسنزاني ، رئيس فوج (83). 232 - هوشيار سليم احمد باشا ، رئيس فوج (215). 233 - وهاب رحمن حمد امين ، رئيس فوج (153). 234 - يونس رمضان غواره ، رئيس فوج (243). 235 - حمه خان دارا حاجي رشيد ، و قد تقلد نوطا للشجاعة حسب المرسوم الجمهوري المرقم (808). 236 - حمه رشيد عبد عبد الرحمن عبد الرحيم = 237 - خضر رشيد بحري = 238 - سالار نصر الله قادر = 239 - سعيد احمد شيشه = 240 - سعيد محمد قادر جاف = 241 - شيخ مولود سيد كول = 242 - صالح احمد حسين = 243 - عباس حاجي اغا رسول = 244 - فتاح كريم فتاح = 245 - كريم عبد الله محمد = 246 - كسرا محمد سعيد محمد فتاح = 247 - محمد حسن علي ميرزا = 248 - محمود حمه امين حمه صالح = 249 - ابراهيم علي ملؤ مزوري = 250 - تحسين شاوه يس سعيد = 251 - رشيد حمد امين عزيز = 252 - رضا طه محي الدين = 253 - رفعت محمد علي = 254 - زيرك طاهر سعيد = 255 - سعاد فيض الله محمد = 256 - طاهر علي عبد الرحمن = 257 - محمد سليم قادر عثمان = 258 - مدحت توفيق منصور = 259 - معتصم عبد الكريم حسين = 260 - محمد صادق محمد شواني ، و قد تقلد نوطا للشجاعة ، حسب الرسوم الجمهوري الرقم (809). 261 - عمر محمود ماموي = 262 - ابراهيم نصر الدين عزيز برزنجي ، و قد تقلد نوطا للشجاعة حسب المرسوم الجمهوري المرقم (1014). 263 - محمد عيسى بير ويس عيسى جاف = 264 - محمد سعيد احمد محمد هاروني = كاتب كردي عراقي Mahdy.majeed@yahoo.com عن صحيفة هاولاتي الكوردية

السبت، 3 يناير 2009


إسـرائـيـل العـربـيّـة
GMT 10:45:00 2009 السبت 3 يناير
الأخبار اللبنانية
أنسي الحاج
من عقود وإسرائيل تؤّدي خدمات لا لأميركا وحسب، بل للنظام العربي الموالي للغرب. منذ عبد الناصر والأرجح ما قبله. في حرب تموز 2006 كانت الخدمة ساطعة. حرب غزّة 2008 ــــ 2009 الخدمة فاجرة.الاستفظاع العربي اللفظي للوحشيّة الإسرائيليّة، بالإضافة إلى كونه رياءً (على الصعيد الشعبي، لا يتجاوز إطار الانفعال العابر وأحياناً الطقوس الشكليّة التي لم تعد تهزّ أحداً)، هذا الاستفظاع لا يُبطن غير العجز في أحسن أحواله. لو أتيح للعرب، والسلطة الفلسطينيّة ضمنهم، أن يشنّوا هم هذه الحرب على حماس، وقبلها على حزب الله، لفظّعوا أكثر من إسرائيل. ليس هناك أقوى من التباغض الأهلي، الحرب الأهليّة، التي خاضتها وتخوضها إسرائيل بالنيابة عن العرب، تنقصها شهوة قتل الذات عبر الشقيق. الإسرائيلي نصف غربي نصف غير معني بالعربي إلّا حذراً وخوفاً، العربي هو مجهوله، القاتل لا يقتل مجهوله بشغف بل ببرود موضوعي، القاتل يقتل مجهوله لا انتقام قايين من هابيل واحتجاجاً على الله، بل ليصيب هدفاً تفيده إصابته.لا يَقتل بشغف ودون ارتواء إلّا الشقيق، الزوج، الأب، الابن. والعرب أيضاً هم الذين لا يريدون وقف الحرب على غزّة لا إسرائيل وحدها. طبعاً هذا ليس تبرئة لإسرائيل، ولكنّه للقول إن إسرائيل تبغضنا ولكنها لا تبغضنا قَدْر ما نُبغض نحن أنفسنا.ونظلم حكّامنا إذا قلنا إنهم وحدهم في هذا الموقف.هل استمع أحد للناس، للعاديين من الناس، هذه الأيام؟ لندع هواة التظاهر والمسيرات والاعتصام جانباً، مع تقديرنا لعواطفهم السلميّة وثقتنا التامة بلا جدوى نشاطهم حتّى لا نقول بارتداده ضرراً على مبدأ الأنشطة الفاعلة، ولو نسبيّاً، مثل فتح الجبهات العربيّة كلّها لمقاومة إسرائيل وعدم مواصلة انتظار «الوقت المناسب» لعمل ذلك. لقد مرّت جميع الأوقات المناسبة منذ فضيحة 1948 ثم فضيحة 1967 والفضائح اللاحقة ولم يحرّك أحد ساكناً. ومنذ اغتيال الملك فيصل في قصره السعودي تعلّم الجميع الدرس الأميركي وصاروا تلاميذ عقلاء في صفوفهم الهادئة. أما الآخرون فـ«يمانعون». أبشِرْ. يمانعون مَن وإلى متى؟ وباجساد مَن؟ وما هذه الممانعة التي لا تصبو إلّا إلى الوصال؟ سألنا ولم نكمل العبارة: هل أصغى أحد إلى مشاعر الناس في دنيا العرب؟ ما يُسموّنها «الأكثرّية الصامتة»؟ الناس غير الملوّثين بجراثيم المعسكرات والاستخبارات؟ نكتب الآن وقد وصل عدد القتلى إلى أكثر من 400 والجرحى فوق الألف. استمعتُ إلى أشخاص من كل الاتجاهات (غير الحزبيّة) وأكثر ما سمعت، بالإضافة إلى الحزن على الشهداء واستفظاع الشراسة الإسرائيليّة، هو التبرّم بحماس وبالسلطة معاً. والواقع أنه لا يُدافَع عن أحد منهما، وكلتاهما مذْنبة ومرتكبة ومسؤولة عمّا آلت إليه حال القضية الفلسطينية من تفسّخ وانهيار، وما أوصلتا إليه شعبهما الشهيد من بؤس للناس الغلبانين الطيّبين وتبعيّة وفساد للطبقات المتحكّمة.في الستّينات من القرن الماضي اعتبرنا، نحن اللبنانيين غير الراضين عن مجتمعنا السياسي ونظام حكمه، اعتبرنا المقاومة الفلسطينية، وفتح بالتحديد، رمزاً للتقدميّة وعنواناً للثوريّة العلمانيّة النقيّة من آثام الأنظمة وانهزاميّة السياسيين وانحلال النخبة. وأيّدنا العمل الفدائي الفلسطيني ضد مصلحة بلدنا نفسه. وظللنا، مطلع الحرب عامي 1975 ــــ 1976، نردّد أن اللبنانييّن والفلسطينيّين أبرياء يحترقون في أتون مؤامرة تريد صلبهما معاً.ولا نقول ذلك اليوم ندماً وأسفاً، بل ما زلنا نعتقد أن المقاومة الفلسطينية في بداياتها كانت تستحقّ التأييد والآمال المعلّقة عليها.إلى أن بدأت الحاكميّة، بل الحاكميّات الفلسطينيّة في لبنان تنحرف وترنو إلى لبنان بديلاً من فلسطين، ولم تلبث أن راحت تفوح روائح الشبهة، ويتسلل إغواء الأنظمة المحيطة وإغراءاتها بمالها من هنا وطغيانها من هناك، وأخذ المتصرّف الفلسطيني يرتشي ويرشو، وسقط ما كان حلماً، وسقطنا، نحن السذّج، من أعلى أوهامنا. المتصرّف الفلسطيني سقط ولم يسقط لأنه كان يعرف أين هو ذاهب ولم تخدعه مثالية لم تكن لديه أساساً. سقط وازداد قوّة ونشوة، ككلّ من يَسْقط من عيون السذّج ليرتفع في عيني نفسه. إنه رضى الذات عن براعتها.ما لنا ولماضٍ يحتاج إلى سطر واحد أو إلى مجلّدات. لنعد إلى غزّة، أعطي ياسر عرفات نتفة من فلسطين ولم يُعطَ أية سلطة حقيقيّة وراح يعلن أن هذه النتفة هي فلسطين المحرّرة. وكيف تكون محرّرة وهي محاطة بعشرات ألوف الجنود الإسرائيليين وكلّ مقومات الاحتلال؟ واستمر تجاهل الواقع والمكابرة الممزوجة أحياناً ببطولات لا شكّ فيها كانت تغطّي السياسات المحدودة الأفق وتطيل عمر الأوهام، إلى أن انقسمت النتفة الفلسطينيّة «المحرّرة» على بعضها وصارت شظايا.والآن نحن أمام شعب يُباد كل مرّة بذريعة وليس له زعماء. لعلّ هذه كانت الفضيلة الأبرز لياسر عرفات: كان زعيماً رأى فيه الفلسطينيون جميعاً، ذات يوم، قائدهم الذي اقتطع لهم مكانتهم اللائقة بين الشعوب.
■ ثـرثـرة فــوق الــدم الصراخ ثرثرة إرهابيّة. قمّة الاحتجاج الصمت. العضّ على اللسان وادّخار المعاناة كلّها للعينين. الصراخ فقاقيع. أول أسلحة إسرائيل اعتمادها على تصريفنا الصوتي.تَظاهَر العرب عشرات ألوف المرّات منذ فلسطين ولم يحقّقوا مكسباً واحداً. تعاقبت عليهم الهزائم كالسيول. خرجتْ من جعير شوارعهم إلى قلوبهم وعقولهم. لا يستطيع أن يصرخ بصدق، بفاعلية، إلّا الأنبياء. وحتّى هؤلاء مشكوك في أنهم اطلقوا صيحاتهم خارج الوَرَق.ترَى الجماهير على الشاشات تَهدر وعقولها متجمّدة والشفاه المزبدة تصيح: «فينكن يا عرب!؟» على اعتبار العرب هم الآخرون. ولا عربي إلّا يَسبّ العرب.العرب هم الجلّادون، والصارخون هم الضحايا. ليس هناك معنى واحد لكلمة عرب، تارة هو البدوي خصوصاً وطوراً هو المتخلّف عموماً. تارة هو المصري إذا لم يعجبنا حاكمه، وطوراً هو السعودي لأنه ثري ووهّابي. تارة هو الليبي وطوراً الليبي يدفع عنه التهمة مذكّراً بأنه أفريقي. تارة هو اليمني وطوراً هو العراقي. وفْق مَنالخاسر.الخاسر يُشْتَم (إلّا اذا كان طاغية، حينها لا تُرى سيّئاته ولو بلغت أضخم الأحجام). فرعون إله، لكن الطاغية الحديث أكثر تألُّهاً من الفراعنة على صفاقة مدهشة، نظراً لتطوّر الأزمنة، على الأقل من الناحية الإعلاميّة والتواصلية، عمّا كانته زمن الفراعنة. لكنّ الطاغية، والعربي منه بصورة خاصة، أذكى من الدهر، لا قيمة عنده للزمن ولا للعقل ولا للحياة البشريّة. حقوق الإنسان حبر غربي على ورق غربي، وأمّا الحرّية فمَرَض الكلاب الشاردة التي يجب إبادتها.لا أحد عربي، الكلّ فوق التهمة، الكلّ عربي وقتَ الهتاف، والمهتوف ضدّهم هم الآخرون، الأعراق البغيضة، الأصناف الخبيثة، حتى لو كانوا عرباً. «فينكن يا عرب»، كأن العرب إذا لبّوا النداء سيسحقون العدّو. على افتراض ما زال هناك عدّو. نحن لا نرى ذلك. نحن نعتقد أن العدّو بالنسبة إلى ملايين من العرب لم يعد إسرائيل، جامعة كلمة العرب رغماً عنهم، بل عرب آخرون. ولا أتحدّث عن الحكّام والأنظمة فحسب، بل عن الشعوب والأفراد والعامة والخاصة. ولم يعودوا مكتومين بل صاروا يجهرون. وليس في صحف الأغراب بل في عقر الدار. وليس من رؤوس الشفاه بل من أعماق الصدور. إسرائيل تضرب العرب باسم العرب.يجب أن نسكت قليلاً لنسمع. وأن نتلملم ونخشع لنبكي ضحايانا، لا أن نفرش بساط العويل ونهدّد بالقبضات الفارغة، مستمرّين في إعطاء أبشع الصورة وأشدّها فظاظة ونفاقاً عن أحوالنا وأنفسنا.ما حصل في غزّة، بالإصالة والنيابة، ما كانت إسرائيل ستتجاسر وتفعله لو لم يصبح العرب قاطبة مفروزين بين تابعين مستسلمين وبشعين إرهابيين أو فاسدين. لا يُدافع عن حماس ولا عن المنظمة الفلسطينية. هذا هو سرّ استقواء إسرائيل. الجميع في الأرض، من المحيط إلى الخليج. والجميع ليسوا «هم» بل نحن، ليسوا الآخرين، إنهم نحن، هنا، في هذا الشارع، وتلك العاصمة، وذلك العالم العربي كلّه.لنحاولْ أن نغيّر أنفسنا من شعوب السطوح والردح على السطوح والانتحاب فوق دماء لا يُصَدَّق انتحابنا عليها من فرط ما صار يقلّد نفسه ويزايد بعضه على بعض، إلى شعوب تشعر وتعاني وتُطرق وتُصغي وتَخْزن في صدورها. لقد بات أفضل من فينا هم باطنيّونا وسجناؤنا. لأن الأحرار هم بينهم، حيث الاختلاء بالذات. الحريّة هي الألم الداخلي الجارح بعمقه وبلاغة تطوراته. الحرّية هي فْعلُ النفس المتأمّلة لا تنفيس احتقان الشارع. الصراخ تغطية لا تصريح، والصارخون أقلّ توجّعاً من الجالسين وحدهم في عذابهم، وأقلّ صدقاً، وأقلّ جدوى.من المؤكد أن بين الصارخين صادقين لا يعرفون غير هذه اللغة وسيلة للتعبير. عذراً من هؤلاء. الكلام ليس عنهم بل عن الذين لا علاقة بين أصواتهم ومشاعرهم ولا بين وجوههم وألفاظهم. فلو كان ثمّة علاقة لمشى المتظاهر ساكتاً نصف الطريق على الأقل إن لم يكن كلّها، ولكنّهم يَضيعون إن لم يُرعدوا.والرعد لا يُرسل صواعقه إلّا عليهم.